نعيش في مجتمع تسوده علاقات اجتماعية منظمة ومنسقّة ، وفي كنف هذا المجتمع الإنساني يحدد كل فرد احتياجاته وعلاقاته الإنسانية وفق القيم والمبادئ الأخلاقية التي نشأ عليها والتي استقاها من البيئة التي تحيط به، عندئذ تصدر السلوكيات عن النفس البشرية منها ما يتلاءم مع المحيط الاجتماعي ومنها لا يتلاءم، في كلتا الحالتين لا يمكن للفرد ان يتصرف وفق اهواءه دون قيود وضوابط وقوانين، خاصة تلك التي تؤطرالتصرفات وتقولبها ضمن قالب السلوكيات المحددة للشخصية السوية ، اللافت ان صنفنا السلوكيات نحو استعلاء النفس العليا الحميدة على الهو الغرائزية فإن العقل والفكر والقيم والمبادئ الأخلاقية تطفو على الحياة وتصبح نوعية الحياة ابهى، اما ان استعلت الهو فإن الجهل يأخذ سبيله وينال من هذه النفس الغير سوية مما ينعكس أيضا على نوعية الحياة لكن سلبيا وليس إيجابياً على الإطلاق .
من جهة ثانية يمتلك الإنسان كل من العقل والمشاعر، يقود الإنسان العاقل نفسه بعقلانية وترو، ويوجهها نحو الأعمال الصالحة ، بينما لا يدع نفسه هي التي تقوده لتنحرف به نحو الهاوية حيث التجاهل التام للقيم الأخلاقية العالية والمبادئ السامية ، فنفس الإنسان تتصارع فيها كل من قوى الشر وقوى الخير وتبقى كذلك الى ان تغلب جهة ما، فالنفس العليا الملائكية إن كانت هي الغالبة يكون وقتها الإنسان قد انتصر على نفسه البشرية .
في الواقع يمكن لأي كائن فرد التمييز بين كل من الخير والشر، لكن غالباً ما تختبئ نوازع الشر تحت أقنعة مزيفة يرتديها الأناس المخادعون ليواروا حقيقة أنفسهم الخبيثة التي تسعد بأذية الناس وتشعر بالتغطرس والفوقية عند تمثيلهم دور الضحية ، فهم يظهرون عكس ما يضمرون للآخر ، بالأحرى يمثلون دور الكائن المثالي لكن حقيقتهم لا يمكن معرفتها او اكتشافها إلا من خلال المواقف أوالغوص في أعماق هذه النفوس الشريرة ، فهم لديهم من المهارة ما يكفي للتمثيل على المجتمع وبارعين في التمويه والمواربة والتلوين، أي ان الغش وسائلهم وملاذهم، لكن واقعياً لا ينجحون في خداع كل الناس كل الوقت، انما الأيام كفيلة بكشف نواياهم وكشف وجوههم الحقيقية التي يختبئون خلفها، لكن عند إكتشاف حقيقتهم نقول لا شيء يؤلم أكثر من سقوط قناع ظنناه يوماً وجهاً حقيقياً.
هنا نتساءل من هم هؤلاء الأشخاص ؟ هل يمكنهم الإندماج في المجتمع والإمتثال للقيم والمبادئ الأخلاقية؟ هل يشكلون خطرا عما حولهم من أناس اسوياء؟ متى يمكن رؤية الوجه الحقيقي لهم ؟
في الواقع يرتدي الممثلون في المسرحية اقنعة مختلفة كل حسب دوره في التمثيل بغاية إقناع الناس بحقيقة احداث المسرحية او الرواية، وفي نهاية المسرحية تنسدل الستارة وتنتهي الأدوار التي تمّ تأديتها ، وتظهر الحقيقة التي تبقى هي المحبوبة عند غالبية الناس، فالكذب يؤذي ويقود الى نتائج لا تحمد عقباها وكما يقول جورج برنارد شو :" ان الأيام افضل جهاز لكشف الكذب" . في المحصلة ان الحقائق الزائفة والأقنعة المزيفة وإخفاء الحقيقة سرعان ما تكشفها الأيام، والإنسان الذي يظن ان بدهائه وحنكته استطاع ان يزيف الحقائق لصالحه فإنما الأيام تكشف له مدى غباءه وجهله المظلم.
يبقى أخيرا ان المجتمع يضم جميع أبنائه بينما الرافض للمعايير المجتمعية هو يمثابة المنبوذ وغير مندمج للقيم المجتمعية، لذا ان الظهور بالوجه الحقيقي دون قناع هو بالأمر المحبب، فالصدق والأمانة في الأقوال والأفعال هما قارب النجاة وهما لا يأتيا إلا بالخير لصاحبه.