بأقلامهم >بأقلامهم
"المتهم البريء"!
"المتهم البريء"! ‎الاثنين 1 01 2024 08:48 القاضي م جمال الحلو
"المتهم البريء"!

جنوبيات

في كلام عميق في مدلولاته منسوب إلى الأديب الهنديّ "بشام ساهني"، ورد ما يأتي:
في أيّام الطّفولة كنت أسرق بعض لفائف السّجائر العائدة إلى والدي. وكان أبي يلاحظ النّقص في علبته، لكنّه كان يوجّه أصابع الاتّهام إلى أخي الأكبر، ويوسعه ضربًا، بدون أن يشكّ للحظة أنّي أنا الفاعل. 
هذا، وفي كلّ مرّة، كان أخي الأكبر يقسم لوالدي بكلّ المقدّسات بأنّه ليس السّارق. بيد أنّ والدي لم يكن ليصدّقه ولو على سبيل الاستقصاء حول موضوع السّرقة، والتّحرّي عن الفاعل الحقيقيّ.  
إلى حين أنّه في إحدى المرّات نصب أبي كمينًا، وأخذ وضعيّة النّوم، وراح ينتظر مجيء أخي لسرقة السّجائر حتّى يقبض عليه بالجّرم المشهود.
لكنّ المفارقة أنّه ألقى القبض عليّ، ومن دون أن يفعل لي شيئًا قال:
 "أنا متأكّد أنّ أخاك الأكبر هو من أرسلك لتسرق له السجائر". ثمّ راح وأوسع أخي ضربًا مرّة أخرى.
إنّها التّهمة الجاهزة الموجّهة إلى البريء من دون ذنب اقترفه. 
وفي هذا يقول المثل الشّعبيّ: 
"حاكمك ظالمك، لمين بدّك تشتكي".
 
ولإسقاط هذا المثل على واقعنا المأزوم في بلدنا المحروم من أبسط قواعد العيش الكريم، فإنّ حكّامنا صبّوا علينا جام غضبهم، لا لذنب اقترفناه، سوى أنّنا انتخبناهم وأوصلناهم ليحكمونا بنار الظّلم، وحديد القهر، وسياسة العهر، ولا من يسمع صوت المكروبين، والمظلومين، والمسلوبين، حتّى ولو "أطبقوا عليهم الخناق إلى آخر نفس ما بين شهيق الذّل والهوان، وزفير الجور والطغيان". 
عفوًا... "وعود على بدء" أنت في لبنان،
 "وحاكمك ظالمك، ولمين بدّك تشتكي".
والشّكوى لغير الله مذلّة...
والظّلم ظلمات يوم القيامة...
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". 
(صدق الله العظيم) 
 

المصدر : جنوبيات