بأقلامهم >بأقلامهم
"حافظوا على الصندوق"!



جنوبيات
إنّ الحفاظ على صندوق تعاضد القضاة ليس مجرّد إجراء ماليّ، بل هو دفاع عن كرامة القاضي واستقلاليّته الاجتماعيّة. فالصّندوق يمثّل شبكة أمان تُحافظ على هيبة القضاء وتُعزّز الثّقة في من يحمل ميزان العدالة.
إنّ صون كرامة القاضي من صون صندوق تعاضده؛ فصندوق التّعاضد ضمانة لاستقلال القضاء على أسس تعزيز كرامة القاضي للعيش بمناخ يتيح له العطاء. كما أنّ صندوق التّعاضد صمّام أمان للقاضي في وجه التّقلّبات.
فمن أجل قضاء مستقلّ، علينا أن نحمي صندوق التّعاضد.
وهناك نقاط دعم رئيسة لفكرة الحفاظ على الصّندوق:
1. الاستقلال الماليّ للقاضي ركيزة من ركائز الاستقلال القضائيّ.
2. دعم اجتماعيّ وصحّيّ يحمي القاضي وعائلته من الأزمات.
3. أداة تضامن بين أبناء الجسم القضائيّ تعزّز الثّقة والتّماسك.
4. الكرامة لا تُجزّأ، وصندوق التّعاضد هو أحد رموزها الملموسة.
هذا وإنّنا، كقضاة عاملين ومتقاعدين، نؤكّد التزامنا الرّاسخ بالدّفاع عن كرامة القاضي واستقلاليّته، باعتبارهما حجر الزّاوية في بناء قضاء نزيه وعادل، يخدم الدّولة والمجتمع وفق أرقى معايير العدالة.
ومن هذا المنطلق، نُعبّر عن بالغ قلقنا إزاء أي مساس بصندوق تعاضد القضاة، أو التّفكير في المسّ باستقلاله أو مواردِه أو فلسفته التّضامنيّة التي نشأ من أجلها.
إنّ صندوق تعاضد القضاة ليس مجرّد مؤسّسة ماليّة أو آليّة خدميّة، بل هو إطار "اجتماعيّ _تكافليّ" يعكس روح التّضامن داخل الجسم القضائيّ، ويُجسّد المفهوم العميق للاستقلال القضائيّ في أحد أبعاده الأساسيّة، وهو الاستقلال الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
فالقاضي الذي يَضمن الحدّ الأدنى من الأمان الاجتماعيّ هو القاضي القادر على إصدار أحكامه بحرّيّة، بعيدًا عن أي ضغوط اقتصاديّة أو حاجات مادّيّة.
لقد أثبتت التّجارب أنّ الدول التي تحصّن قُضاتها من الهشاشة الاجتماعيّة هي الدّول التي تُعلي شأن العدالة، وتُعزّز ثقة المواطنين في مؤسّساتهم.
وإن صندوق التّعاضد، بما يقدّمه من خدمات طبّيّة، واجتماعيّة، واستشفائيّة، وتعويضيّة، يشكّل أحد صمّامات الأمان التي تصون القاضي في مختلف مراحل حياته، خاصّة في حالات المرض، والعجز، والشيخوخة.
وعليه، فإنّ أي مساس بوجود هذا الصّندوق، أو تقليص لدوره، أو تذويبٍ له في أنظمة لا تراعي خصوصيّة الوظيفة القضائيّة، هو تهديد مباشر لكرامة القاضي، وتقويض لمنظومة استقلاله، وتراجع عن مكتسبات تاريخيّة تحقّقت عبر نضالات ومواقف مشرّفة.
صفوة القول، إنّنا نطالب الجهات المعنيّة كافّة، التّشريعيّة والتّنفيذيّة والرّقابيّة، بما يلي:
أوّلًا: ضمان الاستمراريّة القانونيّة والماليّة لصندوق تعاضد القضاة، باعتباره مؤسّسة خاصّة ذات طابع اجتماعيّ تضامنيّ مستقلّ.
ثانيًا: عدم المساس بموارده أو آليّات تسييره الحاليّة، والتي أثبتت نجاعتها طوال سنوات من العمل المتواصل.
ثالثًا: تعزيز الشّفافيّة والدّيمقراطيّة الدّاخليّة في إدارة الصّندوق، بما يُمكّن القضاة من التّعبير عن احتياجاتهم وتطلّعاتهم.
رابعًا: الانفتاح على تطوير خدمات الصّندوق بما يتماشى مع مستجدّات الواقع الاجتماعيّ والطبّيّ، بدون التّفريط بجوهره ومبادئه.
ختامًا، نُهيب بجميع الزّميلات والزّملاء في السّلك القضائيّ، وبكافّة الجهات الفاعلة في الدولة، أن تَقف صفًّا واحدًا في الدّفاع عن هذا المكسب، لأنّ الحفاظ على كرامة القاضي ليست مسألة فئويّة، بل هي قضيّة وطنيّة بامتياز، تهمّ كلّ مواطن ينشد قضاءً عادلاً نزيهًا مستقلًّا.