فلسطينيات >الفلسطينيون في لبنان
«موزاييك» عين الحلوة... يبقي التوتر الأمني
«موزاييك» عين الحلوة... يبقي التوتر الأمني ‎الخميس 23 03 2017 10:44
«موزاييك» عين الحلوة... يبقي التوتر الأمني


اكثر من عشرة مربعات امنية تتحكم بمفاصل حياة عشرات الالاف من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، وتتوزع فيها المرجعيات الامنية والولاءات السياسية والايديولوجية والعقادئية، تبدأ بما يمكن تسميته بالقوى «المعتدلة» سيما الفصائل المنضوية في مؤسسات سلطة الحكم الذاتي في رام الله، وفي مقدمها «حزب السلطة» الذي تمثله حركة «فتح»، التي كانت حتى الامس القريب التنظيم الاكثر نفوذا من الناحيتين البشرية والعسكرية، مرورا بالتنظيمات الاسلامية المتأرجحة بين العقيدة الاسلامية وبوصلة فلسطين التي تجاهر فيها، بعيدا عن اي اجندات اخرى، وصولا الى التنظيمات الاسلامية المتشددة التي تلتقي فكرا وممارسة مع تنظيمات تقاتل في سوريا، ويبرز منها تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة».

واذا كانت اللوحة السياسية والامنية داخل اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، مخيم عين الحلوة، هي التي تطغى على المشهد اليومي للمخيم، فإنها، ووفق اوساط فلسطينية عديدة، ان هذا «الموزاييك» غير المتعايش او المتجانس، لا يمكن ان يُثمر عن حالة امنية صحية قابلة الحياة، وهي اقرب الى خارطة الامر الواقع، التي يطمح كل فريق الى تعديلها او تغييرها بالكامل، اما من خلال احداث المزيد من الاحداث الامنية والتفجيرات والاشتباكات المسلحة الواسعة والاستمرار في مسلسل الاغتيالات، واما العمل على اضعاف القوى صاحبة المصلحة في تفجير الاوضاع الداخلية في المخيم، وبالتالي، تقول اوساط فلسطينية متابعة، فان الوضع الامني في المخيم، ما زال، ومنذ توقف الاشتباكات التي دارت بين الجماعات الاسلامية المتطرفة من جهة، وحركة «فتح» من جهة اخرى، اواخر شباط الماضي، في صورته الضبابية القابلة الاشتعال، مع اي اشكال امني محدود.
يكاد يكون الميزان الذي يتحكم بمسار الامور في المخيم، بكفيه... حركة «فتح» وعصبة الانصار الاسلامية، من دون التقليل من شأن اطراف اخرى، كحركة «انصار الله»، في حركة دائمة تتأرجح ابرته يميناً وشمالا، ومن دون ان تستقر على مؤشر ثابت لمصلحة امن المخيم الذي اصبح فيه ما يكفي من اللاعبين المؤثرين في الساحة الامنية للمخيم، والنظرة الحذرة والمريبة والمتيقظة هي السائدة بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، التي يشد كل طرف منها نحوه، ليحظى بدور هنا او حظوة في النفوذ هناك، كل ذلك يجري من بوابة الوضع الامني في المخيم، وما يحمله من تداعيات وهواجس تتجاوز حدود المخيم... لتصل الى جواره اللبناني، وما يمكن ان يحمل من امتدادات على مستوى الداخل اللبناني برمته.
خروج المخيم من اشتباكات الخامس والعشرين من شباط الماضي، لا ينظر اليه الفلسطينيون على انه النهاية السعيدة التي كانوا ينتظرونها، طالما ان كل العوامل المساعدة لجولة جديدة من الاشتباكات ما تزال متوافرة، فيما كان الرهان معقودا على خطة امنية تجد الحل الذي يُخرج المخيم من دائرة التوتير المستمر وتضع حدا نهائيا لمسلسل القتل والتدمير والترويع.
في دراسة ميدانية عن واقع توزع النفوذ الامني والسياسي للقوى الفلسطينية، تبرز حركة «فتح» في عدد من الاحياء، بعد تراجع لنفوذها في احياء اخرى، فالثقل العسكري للحركة يقع في حي البركسات (الشارع الفوقاني) المتاخم للمدخل الشمالي للمخيم، على مقربة من حاجز الجيش اللبناني، ويضم مراكز ومكاتب سياسية وعسكرية وامنية، ابرزها مقر قيادة الامن الوطني الفلسطيني في لبنان صبحي ابو عرب، وفيما تتقاسم النفوذ العسكري مع الجماعات الاسلامية المتطرفة في حي طيطبا الذي كان مسرحا لجولات عديدة من الاشتباكات، اضافة الى حي عرب الزبيد التي يقع تحت نفوذ الجماعات المتطرفة التي يقودها اسامة الشهابي الذي يتصدر لائحة المطلوبين للجيش اللبناني، على خلفية تورطه في قيادة تنظيم نفذ العديد من الهجمات التي استهدف الجيش وقوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل»، اما في حي الطيري فهو تحت السيطرة الامنية لجماعة بلال بدر المصنفة ارهابية، والمتهمة بالقيام بعمليات اغتيال لقياديين من حركة «فتح» داخل المخيم وخارجه، اضافة الى مجاهرتها الولاء لتنظيم «داعش» وتنظيمات اخرى، وقد حوَّل القيادي في هذه الجماعة جمال بدر الحي الى مرتع امني مقفل امام مختلف القوى الفلسطينية الاخرى، وتحول الحي الى «مضافة» لجميع الهاربين من ملاحقات الجيش اللبناني والقوى الامنية الاخرى، ومعظمه من اللبنانيين، ومن بينهم شادي المولوي الذي لجأ الى المخيم قبل ثلاث سنوات، بعد اتهامه بالتورط في تجنيد انتحاريين لمصلحة التنظيمات، اضافة الى مناصرين للشيخ احمد الاسير الذين لجأوا الى المخيم غداة معركة عبرا التي جرت بين الجيش اللبناني والمجموعات العسكرية للاسير في اواخر حزيران العام 2013، مع وجود ملحوظ لكنه غير اساسي لـ «عصبة الانصار الاسلامية» في حي الصفصاف والرأس الاحمر. وفي حي الطيري هناك منطقة جبل الحليب التي تتمركز فيها مجموعات عسكرية لحركة «فتح» ومراكز اجتماعية وتربوية، اضافة الى «معسكر الاشبال»، ويتجانس هذا النفوذ الفتحاوي مع وجود لفصائل في منظمة التحرير الفلسطينية، ومنها جبهة التحرير الفلسطينية.

وعلى مسافة لا تتجاوز الامتار من نقاط الجيش اللبناني في محلة التعمير، يقع «حي الطوارىء» وهو في منطقة تفصل تعمير عين الحلوة عن المخيم، ولانه خارج نفوذ اي من الفصائل الفلسطينية، ولم تشملها خطة انتشار الجيش اللبناني في العام 1991، لتتحول الى «جزيرة» جذبت طوال السنوات الماضية «جمهورا» واسعا من المطلوبين اللبنانيين والفلسطينيين، الذي شُرِّعت لهم الابواب،ليكونوا بعيدا عن قبضة الجيش اللبناني، وعمل «امراء» «جند الشام» و«فتح الاسلام»، يُعرف انتماؤهم اليوم الى «الشباب المسلم»، على رعاية واستقبال وحماية بعض رموز التنظيمات، ومنهم الفلسطيني عماد ياسين الذي يحاكم لدى القضاء اللبناني، بعد «احضاره» بالقوة من داخل حي الطوارىء نفسه، اثر عملية كومندوس نفذتها وحدة خاصة من مخابرات الجيش اللبناني، ادت الى اقتياده الى خارج الحي وسوقه الى القضاء. وكان الاسلاميون المتطرفون الذين يسيطرون على حي الطوارىء، استقبلوا مجموعات من اللبنانيين الفارين من طرابلس والضنية في التسعينيات، و«مجموعة طرابلس» بقيادة اللبناني غاندي السحمراني الذي قتل داخل المخيم لاحقا، والنفوذ العسكري لحركة «فتح» يمتد الى منطقة السكة والملعب الرياضي، وتنتشر فيها المراكز العسكرية التي تقع تحت اشراف اللواء الفتحاوي منير المقدح، وصولا الى منطقة التماس مع حي الطوارىء معقل الجماعات الاسلامية المتطرفة. فيما ينحسر النفوذ في مناطق الاطراف الغربية للمخيم، بين حركة «فتح» وعصبة الانصار الاسلامية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. 
حي حطين الذي كان قبل اربع سنوات «فتحاويا» بامتياز، سجلت الجماعات الاسلامية المتطرفة خرقا كبيرا فيه، واصبحت «تمون» عليه عسكريا وامنيا، بعد تغلغل مجموعات منها الى الحي والاقامة فيه وانشاء مراكز امنية في داخله، الامر نفسه في حي صفوريه، اما منطقة بستان القدس (بعد ان كانت تسميته البستان اليهودي) فهناك وجود سياسي وعسكري لحركة «فتح» والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اما في داخل المخيم فهناك سيطرة ونفوذ متعدد ومتداخل للعديد من القوى الفلسطينية، ومنها الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين والحركة الاسلامية المجاهدة و»عصبة الانصار» مجموعات عسكرية يقودها القيادي السابق في حركة «فتح» محمود عبد الحميد عيسى «المعروف « بـ«اللينو» الذي يشكل حالة لما يسمى «الحركة الاصلاحية» في حركة «فتح» التي يقودها محمد دحلان.
اما باقي الفصائل، فوجوده غير اساسي او مقرر في حركة التأثير في شارع المخيم، من هذه القوى حركة «حماس» وحركة «الجهاد» اللتان تجمعهما علاقات تحالف جبهوي باسم «القوى الاسلامية» التي تشكل «عصبة الانصار الاسلامية» وتوأمها «الحركة الاسلامية المجاهدة» القوة الحاسمة والمقررة في ميدان المخيم.
وخارج كل الاطر الجبهوية، تبقى «حركة أنصار الله»، وهي حركة جديدة العهد وتحظى بقوة بشرية وعسكرية في مخيم عين الحلوة، لكن نفوذها الاقوى في مخيم المية ومية الواقع على بعد كيلومترين من مخيم عين الحلوة، وهي قامت امس الاول، بنشر قواتها العسكرية في المية ومية واعلنت امساكها للوضع الامني، وقدمت نفسها للفلسطينيين على انها صمام امن المخيم، وهي خطوة شكلت مفاجأة لدى العديد من الاوساط الفلسطينية.
امام هذه المشهدية لواقع توزع النفوذ السياسي والعسكري الذي يشكل «موزاييكا» غير متجانس، بات الجميع امام مخاوف جدية من جولة جديدة للحرب الخفية التي تُعِدُّها «الاجندات السرية» التي ما زال الفلسطينيون يتعاملون مع استهدافاتها باستخفاف، بعيدا عن اي رؤية لخطة تكفل اخراج المخيم من دائرة التوتير الامني المرهق، بالرغم من انهم هم من يدفعون كلفة الفاتورة، من دماء ودمار وتشريد ونزوح وخوف وقلق.

المصدر : الديار