لبنانيات >أخبار لبنانية
"إسرائيل" تتحضّر لعدوان واسع.. وضربة "الضاحية" سيناريو استطلاع


وفاء بيضون
بات واضحا أن كل التحليلات والتقديرات بقيام كيان الاحتلال بشنّ حرب جديدة على لبنان، أمر واقع حتى اللحظة، رغم أن مساعي الجميع وضغوطهم لم تؤتِ ثمارها مع كيان يضرب بعرض الحائط كل المواثيق متجاوزا الخطوط الحمراء، ومعها نداءات ترامب الداعية لتبريد رأس نتنياهو وحكومته الحربية.
ما حصل ليلة «عيد الأضحى المبارك» يوم الخميس الفائت، كان إيذاناً، بحسب المتابعين، بقرع جرس التوسّع في الحرب لتشكيل واقع، يتجاوز بدوره الخروقات اليومية للسيادة اللبنانية من قبل الاحتلال.
ومع أن مساعي قيل إنها سبقت الضربة التي أتت بعد التحذير، إلّا أنها لم تلقِ آذاناً صاغية لدى الأطراف الضامنة، أو أقلّه لم يعد لهذه الدول، وخاصة «أميركا وفرنسا» رأس حربة «اللجنة الخماسية»، أية مونة على «تل أبيب»، إن لم نقل إنها متماهية ومنسجمة مع سياسة نتنياهو العدائية.
من هنا، يأتي تفلّت الكيان من أية ضوابط، ليأتي هجوم ليلة «عيد الأضحى المبارك»، مع ما يحمله من رمزية دينيّة واجتماعية على أكثر من مستوى، ومن دون مقدمات أو سابق إنذار، تكشف إسرائيل ما تدّعيه خطراً وجودياً عليها في الداخل اللبناني، وتحديدا في ضاحية بيروت الجنوبية، أو ربما في هذه الليلة بالتحديد، وصلتها معلومات استخباراتية عما زعمت أنه منشأة لتصنيع «المسيّرات».
إن هذا الهجوم لم يكن الأول من نوعه على الضاحية الجنوبية لبيروت، بل هو الرابع منذ بدء العمل باتفاق وقف إطلاق النار، في تشرين الثاني من العام الفائت 2024. منذ ذلك الحين تعطي «إسرائيل» نفسها شرعية خرقه، بذريعة ومن غير ذريعة، لكنّه كان بلا شك الهجوم الأوسع والأخطر على الإطلاق، حيث استهدف ثمانية مبانٍ سكنية، عبارة عن مئة واثني عشر شقة سكنية، بات أصحابها خارجها، ليستعيد المواطنون ذكريات ليالي الحرب الدموية الطويلة، التي كانوا يعجزون فيها عن النوم، وهم يتتبعون الضربات والغارات الإسرائيلية المتتالية والمباغتة على الضاحية وبيروت وباقي القرى والمدن جنوبا وبقاعا.
تقول الأوساط المطّلعة: «إن خطورة هذا العدوان، مقارنة بالخروقات الإسرائيلية السابقة، هي التي دفعت المسؤولين إلى المسارعة لإصدار بيانات الاستنكار، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية «جوزاف عون»، ورئيس الحكومة «نواف سلام»، ورئيس مجلس النواب «نبيه بري»، ليأتي بيان «قيادة الجيش» أكثر تماسا وتمايزا، بعد التهديد بوقف التعاون مع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار لانعدام دورها إزاء ما يحصل من اعتداءات، لتتقاطع المواقف المستنكرة على وصف ما حصل من عدوان، بالاستهداف المتعمّد للبنان، والاستباحة السافرة للاتفاق، متسائلة عن جدوى وتفسير التصعيد المستجد، في الشكل والمضمون، وفي المكان والزمان، بعدما أفضت التحقيقات الأولية من قبل الجيش إلى عدم وجود أي من الأهداف التى ادّعاها الاحتلال مبررا من خلالها هجومه الجوي.
فأية دلالات حملتها موجة التصعيد الإسرائيلي، ليلة عيد الأضحى، التي لا تشبه أياً من الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار؟
مطّلعون على ما يدور في «كابينت الاحتلال» يقولون إن التصعيد يأتي في إطار استنساخ ما سبق حرب الستة وستين يوما، عندما قرّر الاحتلال القيام بموجة غارات تجاوزت ما كان يسمّى آنذاك قواعد الاشتباك. فما يجري داخل الكيان، وما يصرّح به أكثر من مسؤول إسرائيلي، لا سيما الكلام الأخير لرئيس وزراء الاحتلال، عندما تحدث عن محاكاة جديدة لحرب يريد من خلالها التوسّع نحو جنوب الليطاني، إنما يدلّ بشكل واضح أن ما تحضّر له إسرائيل هو أكبر من ضربة وأقلّ من حرب، بمعنى أن إطلاق يدها في اعتداءاتها، يسمح لها أن تختار ما تريد من أهداف داخل لبنان، حتى ولو كان هذا الهدف رغم زعم وجوده انه بين السكان المدنيين، وبالتالي الانتقال من مرحلة التحذير وتحديد الهدف، كما بات معلوماً من خلال بيانات الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، إلى مرحلة المباغتة دون إنذار مسبق، وثمة من يشير إلى رمزية التوقيت ببُعده السياسي، باعتبار أن الاستهداف جاء بعيد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت، والتي أعلن منها عن رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة مع لبنان، تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل. وكأن كيان الاحتلال أراد أن يرفع الفيتو في وجه أي عودة إيرانية إلى بيروت تحت أي عنوان، وهو الذي تسبب سابقا بقرار منع هبوط الطائرات الإيرانية في مطار رفيق الحريري الدولي، وما تبعه لحظتها من تداعيات شعبية كادت تطيح باستقرار البلاد.
إذن، إن ما جرى لا يمكن فصله عن أجندة تستدعي استكمال فصولها، وإن الظروف الدولية تستغلّها إسرائيل لتنفيذ ما تبقّى من مشروع التوسّع الآني والمستقبلي، والذي يتجاوز الجغرافيا اللبنانية إلى المحيط العربي القريب والبعيد.