بأقلامهم >بأقلامهم
"قَدِيمًا"!



جنوبيات
"انه زمن الطّيبة"...
قديمًا، كان هاتف البيت محظورًا على الصّغار، لا بل كان يوضع قفل عليه، ولا يستعمله إلّا الأب والأمّ. وإذا ما رنّ جرس الهاتف، كان صوت الوالدين من بعيد:
"لا أحد يردّ"!
فقد ارتبط جهاز الهاتف بمفهوم الحياء والأخلاق، وكان اقتراب البنت منه كخروجها من البيت بمفردها ومن دون حماية الأخ أو الأب.
قديمًا، لم يكن يُسمح للصّغار مشاهدة التّلفاز إلّا بعض البرامج، مثال ذلك:
"افتح يا سمسم، الكابتن ماجد، وزينة ونحّول".
قديمًا، كانت نظرة الأب كافية لتأديب أولاده. في حين كانت ضحكته مهرجان فرح في موسم الأعياد.
قديمًا، كانت المدارس تبعد الكثير عن المنازل، وكان الذّهاب إليها والمجيء منها كلّ يوم بمنزلة نزهة رياضيّة. فلم يكن التّلميذ بحاجة إلى باص مكيّف، ولم يكن يخشى التّجوّل في الشّارع.
قديمًا، لم تكن الجراثيم مصدر تخوّف من عربات التّسوّق وأرضيّات المنازل، ولم يُسمع عنها في الرّاديو أو يُشاهد فيلم مصوّر على التّلفاز يتكلّم عليها. ولم تكن هناك حاجة إلى معقّمات لليدين، وكانت الأمراض بمنأى عن الكثيرين.
قديمًا، كانت للأمّ سلطة، وللأب سلطة، وللمدرّس سلطة، وللمسطرة الخشبيّة الطّويلة سلطة، إذ حفظ الطلّاب من خلالها جدول الضّرب، وأصول القراءة، والإملاء الصّحيحة، وكتابة الخطّ الجميل، ولم يتجاوزوا حينها التّسع سنوات.
قديمًا، كان ابن الجيران يطرق الباب ويقول:
"أمّي تسلّم عليكم وتقول:
هل عندكم بصل، بندورة، خبز، رشّة بهارات أو ملح".
وقد كان الجميع بمنزلة إخوة من دون تفرقة دينيّة أو مذهبيّة أو عرقيّة.
لقد كانت الأبواب شبه مشرّعة للجيران، والتّرحيب يُسمع من الدّاخل وبصوت عال. وكان الكلّ يتبادل أطباق الطعام بكلّ تلاوينها الشّهيّة. ولم يكن هناك شكوك بالآخرين ولا سوء ظنّ بالتّصرّفات.
وبعد هذا كلّه، هل عرفتم لماذا رحل الطيّبون؟
إنّه زمن الطّيبة الذي ألبسنا أرقى أنواع الملابس، وعرّفنا على القيم الإنسانيّة، وجعلنا نتحمّل المسؤوليّة منذ الصغر.
فهل ترى يعود ذاك الزّمن الجميل؟
إنّها أمنية نرجو الله أن تتحقّق.