عربيات ودوليات >أخبار دولية
ماذا بعد تساقط أوراق "إسرائيل" على طريق الشرق الأوسط الجديد؟


جنوبيات
تبادلت إسرائيل وإيران، الثلاثاء 24 حزيران الجاري، الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، بعد ساعات قليلة من دخول اتفاق الهدنة بين الجانبين حيّز التنفيذ.
رغم الخروقات المتوقعة، إلّا أنّ الهدنة تبقى مطلب طرفي القتال، لأن الإثنين خرجا منها معلنان الانتصار. ففي الوقت الذي وجد الإسرائيلي أنه حقق أهداف الحرب المتمثلة في تعطيل مشروع إيران النووي وضرب القدرات الصاروخية الباليستية. اعتبرت طهران بأن صواريخها التي أطلقتها على دفعات وبفعالية متدرجة استطاعت أن تكرّس سياسة «الردع» بعيداً عن مشاركة وكلائها في المنطقة أو امتلاكها للقنبلة النووية.
هذا وكان الرئيس الأميركي أعلن الإثنين 23 حزيران، توصل طرفي النزاع إلى وقف مؤقت لإطلاق النار على أن يأخذ في ما بعد شكله الدائم. لقد أطلق الرئيس دونالد ترامب بعدها عبارة مثيرة للجدل حول طرفي النزاع، أن «لديهما الكثير ليكسباه، لكنهما سيخسران كثيراً إذا انحرفا عن طريق البرّ والحق. مستقبل إسرائيل وإيران لا حدود له، ومليء بالوعود العظيمة، بارك الله فيكما».
مهلاً يا سيد ترامب، وكأنك تتحدث عن دولتين شقيقتين لم يكونا في حالة نزاع عسكري استمر لأيام سقط فيه الكثير من القتلى بين الجانبين ودمّرت الكثير من البنى التحتية العسكرية والمدنية. تتحدث وكأنك لم يشارك جيشك في تنفيذ ضربات على منشآت إيران النووية، وكأن إدارتك لم تأخذ موقع المواجهة مع طهران إلى جانب تل أبيب.
تحدّث عن الكثير ترامب في كلمته، ولكنّ الملفت ليست «التكويعة» تجاه إيران، فهذا أصلاً جزءاً من شخصية الرجل المثيرة للاستغراب، والتي لطالما أثارت الجدل في قضايا دولية ناقشها، كقضية ضم كندا إلى الولايات المتحدة. لكنّ الملفت والمستغرب هو في طريقة التخاطب التي اتّبعها مع إسرائيل، ربيبة الولايات المتحدة في المنطقة، حيث نقلت وكالات أنباء عن مصادر مقرّبة من البيت الأبيض أن ترامب كان حازماً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موضوع الالتزام بالهدنة.
شعرت تل أبيب أن رياح التغيير بدأت تهبّ عليها بعد عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها حركة حماس في السابع من تشرين الأول من عام 2023، فهل يعني هذا أنّ مكانة إسرائيل اليوم تغيّرت عن ما كانت عليه منذ تأسيسها بالنسبة إلى الحاضن الغربي، تحديداً الأميركي؟
أطلق نتنياهو، مشروعه التغييري للمنطقة حيث اعتبر فيه إن حربه هذه التي يخوضها ستغيّر في خارطة الشرق الأوسط، لا بل وضعها في خانة الصراع بين محور الخير الذي يمثّله ومحور الشرّ بقيادة إيرانية.
تصورّ الشرق الأوسط الجديد، بحسب الرؤية التوسعية لحكومة نتنياهو ذات اليمين المتطرف، يعتمد على ركيزتين، الأولى كسر نفوذ القوى الإقليمية في المنطقة، لهذا تعلو الهمسات بعد الحرب مع إيران، هناك حرب قادمة مع تركيا. أما الركيزة الثانية، فهي ذاهبة نحو «خربطة» تقسيم المنطقة على أساس اتفاقية سايكس بيكو، ليعاد تقسيمها بما يتناسب مع موازين القوى الجديدة المتمثلة في انتصار إسرائيل.
لكنّ الرياح لم تجرِ كما كانت سفن نتنياهو تشتهيها، إذ برزت إشكاليات كثيرة وضعت الكيان الإسرائيلي أمام تحدٍّ وجودي، رغم إن نتنياهو ومعه لفيف من المسؤولين في حكومته تباهوا بأنهم قضوا خلال 12 يوماً من الحرب مع إيران، على «التهديد الوجودي» الحقيقي المتمثل في القضاء على المشروع النووي لدى إيران، وعلى منظومة الصواريخ الباليستية.
حققت الضربات الجوية على المنشآت الإيرانية نتائج في عرقلة إيران من السير قدماً في إنتاج القنبلة الذرية، ولكن الأكيد أنها لم تقضِ تلك الضربات على «المخزون العلمي» لدى إيران للسير مجدّداً في البرنامج النووي بعد نهاية ولاية ترامب. فإيران رغم الضرر الذي لحق بها في هذه الحرب، لكنّ هذا لا يعطي نصراً لإسرائيل. فالحرب هذه وضعتها أمام تحدّي أمني واقتصادي كبيرين، يتمثلان في قوة الردع الصاروخي حيث أصابت الكثير منها مدناً إسرائيلية متسببةً بدمار هائل. فماذا لو نقلت حقاً طهران تلك الصواريخ إلى وكلائها في المنطقة، تحديداً إلى حزب ألا تختلف المعادلات؟ أليس هذا ما قاله أمين عام حزب الله نعيم قاسم، في كلمته الإثنين 22 حزيران بأن حزبه يعيد ترتيب سلاحه؟
وجدت إسرائيل أنها أمام تحدٍّ آخر اقتصادي، يتعلق بالكلفة المرتفعة لمنظومات دفاعاتها الجوية، التي قدّرت بالمليارات، إضافة إلى عرقلة صناعاتها لا سيما العسكرية بعدما أغلقت بوجهها الكثير من الأسواق. لهذا شعرت إسرائيل انها لم تستطع أن تتحوّل إلى دولة ناضجة بعيدة عن الرعاية الأميركية، فإن الصورة النمطية التي رافقت إسرائيل منذ تأسيسها عام 1947 بقرار أممي على أنها «ربيبة» الغرب من بريطانيا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى الولايات المتحدة مع نهاية الحرب العالمية الثالثة، لم تزل حاضرة بقوة، بعدما أكد الميدان على أنّها لا تستطيع تحقيق أهدافها دون دعم أميركي.
لم يعد جيشها لا يقهر، ولم تعد الوحيدة التي تمتلك التفوّق في نوعية الأسلحة، فالصواريخ الإيرانية كانت كافية لخرق منظوماتها الدفاعية وضرب العمق الإسرائيلي. لقد أٌسقطت سرديات كثيرة وخسرت إسرائيل الكثير من أوراق القوة لديها، منها الدعم الغربي المطلق، حيث أعلن، على سبيل المثال الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، الاثنين 23 حزيران، وقف بيع الذخيرة إلى إسرائيل في أعقاب صاعد التوتر في المنطقة واستمرار إجرام إسرائيل على قطاع غزة.
عرّت غزة اليمين الإسرائيلي المتطرف وكشفت عن فقدانه للشعور بالإنسانية، حيث شهد العالم سلسلة من التظاهرات والاحتجاجات الداعمة لغزة والمندّدة بأعمال الوحشية التي تمارسها إسرائيل تحت ذرائع مختلفة. فالورقة الإعلامية والإعلانية التي شكّلت على مدى سنوات سلاح إسرائيل عند الرأي العام الغربي، حيث شاهد العالم جرائم هذا الكيان وتعمّده اتباع سياسة القتل والتهجير القسري بحق سكان غزة، لهذا سلكت جنوب إفريقيا المسار القانوني وحصلت على قرار اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت إلى قفص الاتهام.
لم تعد إسرائيل محور الاهتمام الغربي ولا الأميركي في المنطقة، لقد أثبتت الدول الخليجية على رأسها دولة قطر قدرتها على فرض التسويات وربط النزاعات، وهذا ما دفع بالرئيس ترامب إلى توجيه شكر خاص إلى صاحب السمو الأمير تميم آل حمد الثاني، على دوره البنّاء في وقت الحرب بين إسرائيل وإيران.
مهما رفع الإعلام الإسرائيلي رايات النصر، إلّا أن الواقع والميدان يؤكد أن حلم نتنياهو بالذهاب إلى شرق أوسط جديد لبناء «الدولة القومية اليهودية» سقطت، وستسقط عنجهية هذا الرجل في مراكز القرار الدولية والخليجية حتماً.
أخبار ذات صلة
ماذا بعد تساقط أوراق "إسرائيل" على طريق الشرق الأوسط الجديد؟
"إسرائيل": نعالج نقاط في لبنان لا يستطيع الجيش اللبناني معالجتها
حصيلة العدوان الإسرائيلي على النبطية الفوقا: استشهاد مواطنة في شقتها وجرح 1...
جيش الاحتلال يعترف باستهداف منتظري المساعدات: لم يشكلوا أي تهديد
بينهم منتظرو المساعدات.. 50 شهيداً في غارات للاحتلال على قطاع غزة خلال ساعا...