لبنانيات >أخبار لبنانية
نهر أبو علي مرتع للمياه الآسنة وملاذ للفاسدين
نهر أبو علي مرتع للمياه الآسنة وملاذ للفاسدين ‎السبت 28 10 2017 10:36
نهر أبو علي مرتع للمياه الآسنة وملاذ للفاسدين

روعة الرفاعي

لو قُدِّرَ لصور السياسيين المنتشرة على ضفاف نهر أبو علي رؤية منظر النفايات داخل مجرى النهر، ولو تسنّى لها تنشّق الروائح الكريهة التي تفوح منه، لما استمرّت مرفوعة على جدران المنازل الفقيرة، وإنْ كلّفها الأمر «خسارة ما تصبو إليه من أصوات».
نهر الطواحين تاريخياً أو نهر أبو علي حالياً، بات اليوم مرتعاً للمجارير التي تصب فيه من كل الأقضية المجاورة، والتي ارتاحت بلدياتها على وضعها بعدما سمح لها مجلس الإنماء والإعمار بجر مجاريرها إلى داخل مدينة طرابلس، باعتبار أنّ محطة التكرير المركزية قادرة على استيعابها، لكن هذه المحطة حتى الساعة لا تعمل، ومع ذلك فإنّ المياه الآسنة تأتي من كل حدب وصوب مخلّفة وراءها الكثير من الروائح والملوّثات، ولعل نهر أبو علي اليوم شاهد على هذه المرارة التي باتت تشكّل خطراً كبيراً على صحة المواطنين، الذين يعانون من حالات اختناق وضيق تنفّس، فضلاً عن الإصابات التي تُسجّل في صفوف الأطفال جرّاء «لسعات البرغش والحشرات المختلفة»، الذين يتم نقلهم على أثرها الى المستشفيات.
هذا في ما خص مياه المجارير، أما بالنسبة إلى رمي الأوساخ، فالقضية حدّث ولا حرج بعدما انتشرت كالجبال داخل النهر، والبلدية التي اعتادت في العهود السابقة تنظيف مجرى النهر، فإنّها في العهد الحالي لا تُبدي أي اهتمام بالمنطقة، بالرغم من أنّ داخل مجلسها أعضاء من أبناء منطقة التبانة، ومع هذا يلتزمون الصمت، ولا يحرّكون ساكناً، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الغاية المرجّوة من وراء الإهمال الحاصل.
الأهالي يؤكدون أنّ مياه النهر في السابق كانت صافية، وكان أبناء التبانة يسبحون فيها، والبعض منهم يصطاد سمكها بل ويشربونها، أما اليوم فإنّ مجرد المرور على ضفة النهر يُعتبر مجازفة حقيقية، مشيرين إلى أنّ «فصل الصيف انقضى دون أنْ نتمكّن من فتح النوافذ خوفاً من الحشرات والجراذين والأوبئة»، وموضحين أنّه «قبل مشروع الإرث الثقافي لم تكن الحالة كما هي اليوم، فالمشروع أتى ليقضي علينا وعلى كل معالم المنطقة الأثرية فماذا استفدنا؟؟؟».
د. حمزة
{ العضو السابق لمجلس بلدية طرابلس الدكتور ابراهيم حمزة قال: «ما يتعرّض له مجرى نهر أبو علي يتحمّل مسؤوليته المواطن والبلدية والوزارات المعنية، ومنها وزارة البيئة، فضلاً عن مجلس الإنماء والإعمار، الذي سمح بجر المياه الآسنة من الأقضية المجاورة إلى مجرى نهر أبو علي، والسبب في ذلك يعود إلى إقبال الناس على السكن في القرى المجاورة (الكورة وضهر العين وغيرها) وبالطبع فإنّ هذه المناطق لا تملك بنى تحتية مهيأة لاستقبال هذه الكثافة ما اضطرها لفتح مجاريرها على الأنهر (قاديشا وأبو علي) أي ضمن مدينة طرابلس».
واستذكر الدكتور حمزة كيف كانت مياه أبو علي سابقاً فقال: «كانت صافية لدرجة أنّ أهل المنطقة كانوا يلجأون إلى السباحة فيها، حتىإنّهم كانوا يصطادون السمك ويجلسون ليلاً على ضفافه، أما اليوم فإنّ المياه الآسنة تبعث الروائح الكريهة على مدار الساعة فضلاً عن انتشار البعوض والحشرات التي تدخل إلى المنازل وتلحق الضرر بالأطفال، ومؤخّراً تم نقل العديد من هذه الحالات إلى المستشفيات، فضلاً عن حالات ضيق التنفس المنتشرة بكثرة».
ورأى الدكتور حمزة أنّ «أي معالجة محلية للموضوع لن تقضي عليه، بل إنّنا نحتاج إلى مشروع كامل ومتكامل، أي لجهود الدولة، وهنا نلفت إلى أنذه ينبغي على القرى المجاورة إنشاء محطات تكرير لديها تستوعب مجاريرها، إذ لا يجوز أنْ تبقى طرابلس ضحية استقبال النفايات والمجارير، ففي العام 2011 طلب مجلس الإنماء والإعمار من بلدية طرابلس السماح بجر مجارير الأقضية المجاورة إليها، بيد أنّه صدر قرار بعدم الموافقة، ومع هذا لم يلتزم المجلس بل وأكثر يتم اليوم جر مجارير نهر البارد الى منطقة البداوي، وقريباً ستصل إلى طرابلس، فإلى متى نسكت عن هذا الواقع؟؟؟».
وتابع: «في العام 2002 أنشأنا مع المرحوم المهندس محمود حلاب سدوداً داخل النهر، وبمجرّد حلول فصل الصيف بدأت المياه تخف وتركد، وبدأ ظهور البرغش إضافة إلى نوع من الحشرات العشبية، وحينما قمنا بالبحث عن السبب وجدنا أنّ هناك مجارير تصب في النهر، الأمر يحتاج إلى تدخّل الدولة والوزارات المعنية وبلدية طرابلس لحل هذه المشكلة».
المواطن يشكو معاناته
{ المواطن محمد سميح برطل من السكان قال: «روائح كريهة تفوح يومياً من النهر، فضلاً عن البعوض والحشرات. الحقيقة اعتدنا هذه المناظر المقزّزة، في المقابل البلدية لا تظهر أي اهتمام بنا».
{ من جهته أبو رشاد السويسي قال: «قبل طوفان النهر كان في غاية الجمال، كانت هناك شلالات ومياه غزيرة، لكن بعد الطوفان بدأ الاستهتار بالنهر، وبدأ رمي النفايات التي باتت تغطيه، هذا فضلاً عن المجارير التي تصب فيه، وهنا أشير إلى أنّ الغالبية العظمى من السكان هم من المواطنين السوريين، الذين لا يرتبطون بالمنطقة ارتباطاً وثيقاً ما يدفعهم إلى رمي النفايات داخل النهر تماماً كما يفعل أصحاب البسطات، ولا يحق لنا الاعتراض كون الأنظار دائماً ما توجه إلينا وتتهمنا بالإرهاب».
{ عماد الحصني قال:» وُلِدْتُ في هذه المنطقة، وهي المرّة الأولى التي أرى فيها مياه النهر بهذا اللون الداكن، وقديماً كنّا نسبح ونشرب من مياهه ونصطاد السمك، أما اليوم فإنّ الرائحة الكريهة تحرمنا من فتح النوافذ خوفاً من دخول البرغش، الذي أصاب العديد من أطفالنا».
ورأى الحصني أنّ «البلدية هي المعنية برفع الحرمان، ونحن نعلم أنّ هناك العديد من العمّال الذين يتقاضون معاشاتهم من دون أي عمل، فلماذا لا يقومون بمراقبة النهر ومعرفة الجهة التي ترمي الأوساخ فيه، هو أمر في غاية السهولة».
{ بدوره المواطن مصطفى الحصني أشار إلى أنّ «السمك داخل النهر يموت من شدة التلوث الحاصل، ونحن نراه كيف يهرب خارج المياه، فكيف الحال بنا؟؟؟ نناشد المعنيين ضرورة حل الأزمة، لا سيما أن الروائح الكريهة تفوح باستمرار وتعرّض حياتنا للخطر».
{ أما رامي الجزار (صاحب محل مجاور) فقال: «الروائح كريهة وتنذر بكارثة بيئية وصحية يجب التنبّه إليها. طبعاً لا أفكر بترك المكان، ولكن أسعى إلى تحسين الوضع وذلك من خلال متابعته ومناشدة جميع المعنيين، وإنْ كنّا على يقين تام بأنّ طرابلس كانت ولا تزال منسية».
{ وأخيراً المواطنة عائشة طرابلسي قالت: «النهر يحتوي الكثير من الجراثيم، وأطفالنا يتعرّضون لحالات صحية خطيرة أبرزها ضيق التنفس، وكل هذا بسبب التلوث الحاصل في المنطقة».

 

 

المصدر : اللواء