عام >عام
لبنان بلد التعايش.. وصيدا نموذجاً
لبنان بلد التعايش.. وصيدا نموذجاً ‎الجمعة 8 06 2018 14:34
لبنان بلد التعايش.. وصيدا نموذجاً

بقلم: سماحة الشيخ سليم سوسان*

انطلاقاً من الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13، فإنّنا محكومون كبشرٍ في هذا العالم بالتعايش على قاعدة العدل والمساواة بين النّاس، ليكون المعيار الوحيد للتفاضل الحقيقي بينهم، هو مدى قرب كل واحد من النّاس إلى الله عز وجل، من خلال التمسّك بالأخلاق الفاضلة والأعمال النبيلة، التي فيها خدمة مصلحة الفرد والمجتمع بالمحبة والوئام والتعاون على البر والتقوى.
إنّنا نعيش في عالم تغمره الصراعات والإنقسامات، ويسوده منطق غلبة الأقوياء على الضعفاء، ويتحكّم بمصير ومستقبل الدول قوى عظمى مهيمنة.. تعطي مصالحها وأهدافها الأولوية على طموحات ومفاهيم ومصالح الشعوب والدول الضعيفة.
سنوات مرت ونحن نعيش في منطقة الشرق الأوسط، حالة من الاقتتال والصراعات، شبيهة بتلك التي عاشتها دول البلقان ووسط أوروبا في البوسنة وكوسوفو وكرواتيا وصربيا، حيث إنّ التدخل الدولي زاد من مأساة شعوبنا ومن ألم مواطنينا، بانحيازه لهذا الفريق أو ذاك، بعيدا عن منطق التسوية ومعالجة جذور الأزمات الحقيقية، وليس آخرها في فلسطين وما يحصل فيها.
إنّ العدالة والحرية وإحقاق الحق هي مدخل للتسويات والمعالجات.. ونحن نعيش في منطقة متعدّدة الثقافات.. والأديان والمذاهب.. وكذلك متنوّعة الأعراف واللغات واللهجات والعادات.. وقدرنا أنْ نعيش مع بعض.. في ظل وحدتنا وقيمنا.. وهذا منطق التاريخ.. وما رسمته جغرافية المنطقة.. منذ آلاف السنين..
وحتى نعيش مع بعضنا.. يجب أن نفهم بعضنا ونحترم خصوصيتنا.. ونتعاون في ما بيننا لبناء مستقبل مشرق واقتصاد مثمر ومجتمع متقدّم.. متجانس.. متآلف.. متعاون.. وهنا تقع المسؤولية على السياسيين ورجال الدين مسلمين ومسيحيين والنخبة من المثقفين والهيئات والمؤسّسات الاجتماعية والانسانية والتربوية وغيرها.. فلا تجريح ولا إساءة.. ولا استعلاء ولا استقواء.. ولا أقلّيات.. بل مواطنون شرفاء يبنون أوطانهم ويدافعون عنها.. جميعاً تحت سلطة دولة قوية وعادلة.. تحتكم لسلطة القانون والعدل.. لا لسلطة الشخص أو الحزب أو المشروع أو الانتماء الديني أو العرقي أو الثقافي.
ما أحوجنا في هذا العالم الرحب إلى التعاون والتلاقي لخدمة الإنسان لأخيه الإنسان، بغض النظر عن دينه ولونه ولغته وعرقه وانتمائه..
إنّنا ونحن في رحاب شهر رمضان المبارك.. نسعى دوماً إلى تحقيق كل هذه العناوين الإنسانية الفاضلة القائمة على نشر المحبة وتصميم ثقافة الخير والسلام بين جميع مكوّنات الشعب اللبناني الطيب، والعمل على تصحيح المفاهيم.. بحيث نفهم الاختلاف على أنّه تنوّع وتعدّد وغنى.. وهو ما يُميّز لبنان في محيطه العربي.. وفي هذا العالم لا أنْ نغرق في اعتبار الاختلاق على أنه خلاف.. ومدعاة للتنازع والتناحر والتباغض والتباعد.. ولنا في مشهد مدينة صيدا نموذج يمكن أنْ يُبنى عليه في لبنان.
المشهد في مدينة صيدا يختلف عن سواه من سائر المناطق، مشهد التعايش والتآلف والتعاون، مشهد الانسجام والتناغم. إنّه مشهد العيش المشترك ومشهد المآذن، التي تعانق أبراج الكنائس، فمدينة صيدا مدينة العيش المشترك ومدينة الشهادة على حرية الوطن وسيادته واستقلاله.. التي قدّمت رجالاً كباراً لحماية الوطن، ولتأكيد وتثبيت ماضيه في وحدة أرضه وشعبه ومؤسّساته وبناء حاضره ومستقبله.
صيدا، التي رفضت الإحتلال، كما رفضت الفتنة المذهبية والطائفية والمناطقية، وانتفضت على لغة التخوين، وحافظت على الروح الوطنية الجامعة لكافة أبناء الوطن، بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم. لبنان بلد المحبة والتسامح والتنوّع، ومدينة صيدا بتنوّعها تؤكد هذا النموذج وهذا الدور.
سعى البعض وبعضهم لا يزال إلى تعكير الحياة النموذجية بين الأشقاء في الوطن والمواطنة، ولكن لم ولن يفلحوا، لأن إرادة الحياة والبناء والتنمية لدينا أكبر من رغبتهم في تهميش المنطقة وزرع الشقاق بين أبنائها. أو أنْ يتربّص بلبنان ومنطقتنا العزيزة ومدينتنا الحبيبة شرّاً، أو أنْ يرسم حدوداً بين مكوّناتها ومؤسّساتها ومرجعياتها بكافة مسمياتها ومواقعها.
وطننا واحد، مستقبلنا واحد، مصيرنا واحد، وعيشنا المشترك، وسلمنا الأهلي هو الضمانة والمدماك الأساس والصلب، لتحقيق المزيد لخدمة شعبنا، ومواطنينا وأبنائنا.
دورنا كان، ولا يزال، وسوف يبقى أساسياً وفعّالاً وبنّاءً، في تحصين وطننا ومجتمعنا من كل شر، ومن كل خطر، وفي حفظ الوطن والكيان.
 

 

المصدر : * مفتي صيدا وأقضيتها.