عام >عام
تردّدات «زلزال» ترامب الأميركي على الشرق الأوسط
تردّدات «زلزال» ترامب الأميركي على الشرق الأوسط ‎الخميس 17 11 2016 09:10
تردّدات «زلزال» ترامب الأميركي على الشرق الأوسط
دونالد ترامب

هيثم زعيتر

واهم مَنْ يعتقد بأنّ الإدارة الأميركية تعتمد على علاقات المحبة والود، بل تعتمد على مصطلح «المصالح»، في علاقات القطب الآحادي في العالم بإدارة الملفات.
هذا ما يخلص إليه كبار المطلعين على سياسة الولايات المتحدة الأميركية على مر السنوات.
والتساؤلات المطروحة منذ «الزلزال» الأميركي، الذي أعاد «الجمهوريين» إلى سدة الحكم، ماذا ستكون سياسة دونالد ترامب داخل حدود الولايات المتحدة الجغرافية، وأيضا الانتشار إلى أماكن تواجدها ونفوذها، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط؟
هذه التساؤلات كانت محور لقاءات ومباحثات بين عدد من القيادات السياسية والفكرية في المنطقة العربية والشرق أوسطية، التي خلصت إلى أنّ ترامب خاطب الأميركيين باللغة التي يفهمونها، والعالم باللغة التي يفهمها.
تبدو واضحة سياسة الرئيس الأميركي الـ45 حيال الملفات الداخلية، لجهة معالجة قضية البيض وحقوقهم وتشجيع الاقتصاد والاستثمار، من أجل عودة الاستثمارات والمصانع التي هجرت أميركا باتجاه الصين والمكسيك، في مقابل فرض ضرائب باهظة على المنتجات التي تُصدّر إلى الولايات المتحدة، ما يجعل بيعها ليس ذي جدوى ربحية للشركات.
وأيضاً الحد من الهجرة وإعطاء الأميركيين حقوقهم، ومحاولة احتواء التظاهرات والحركات الاحتجاجية على فوز ترامب.
فيما أوروبياً، يدرس المتخصّصون الطُرُق الأمثل للتعامل مع ترامب وسياسته، حيث يتوقّع أنْ يكون هناك صعود لليمين في أوروبا على حساب اليسار.
أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد انتقد ترامب سياسة بلاده الخارجية، وتحديداً في هذه المنطقة، وفي الطليعة «الاتفاق النووي الإيراني»، الذي استفاد من الخدمات التي قدّمها «الديمقراطيون»، ما أدّى إلى توسّع النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن وحتى لبنان.
وسيسعى الرئيس الأميركي إلى فرض عقوبات على إيران ولجم هذا النفوذ.
لقد عانى العالم العربي شرذمةً في عصر «الديمقراطيين»، بما في ذلك ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، الذي أحدث تغييراً جذرياً في أولويات وقضايا وملفات الدول، وهو ما يُتوقّع أنْ تستمر تداعياته لفترة طويلة.
وبالتالي، لم تكن هذه الدول تعيش «شهر عسل» مع الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما لتخشى الأسوأ مع ترامب، وأي تغيير سيكون مرحّباً به.
أما بشأن الوضع السوري، فقد أصبحت دول العالم كلها في سوريا وفي مقدّمها: روسيا، إيران، فرنسا، بريطانيا وتركيا، وهذا التواجد ليس للسياحة، بل للمشاركة في حجز موطىء قدم باقتسام مغانم التقسيم الجديد للمنطقة، مع انتهاء مفاعيل اتفاقية «سايكس -  بيكو»، التي تطوي في العام المقبل عامها الـ100.
وهذه الدول التي لها مصالحها المتعدّدة، مستعدة للتفاوض تحت عنوان مواجهة الإرهاب، وإنْ كان عنوانه «داعش»، لكن ستكون هناك خلافات بشأن التعامل مع المعارضة السورية، التي يصنّفها ترامب ضمن «الإرهاب»، وليس مستبعداً أنْ يتم التفاهم مع روسيا على مصير الرئيس بشار الأسد، لأنّ اعتبار الفراغ أو البديل سيكون أكثر تطرّفاً.
وبالشأن المصري، يُتوقّع الاستفادة من انتخاب ترامب، وهو ما عبّر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأنّ عهد أوباما شهد دعماً للجماعات الإسلامية، وبينها «الإخوان المسلمين».
بينما تبقى قضية فلسطين التي يُتوقّع أنْ تستحوذ على حيِّز هام من أجندة الإدارة الأميركية، وعلى الرغم من إعلان ترامب خلال حملته الإنتخابية عن أنّه سيعمل على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، يُتوقّع عدم حدوث ذلك، وهو موقف لكافة الإدارات الأميركية التي التزمت بعدم نقل السفارة منذ نكسة حزيران 1967، وما يُعلن قبل الانتخابات ليس بالضرورة تنفيذه بعد الفوز.
وعلى الرغم من الانحياز الأميركي لصالح الكيان الصهيوني، فلا يُتوقّع تغييراً جذرياً في العلاقات، انطلاقاً من المصالح المشتركة، واعتماد الإدارة الأميركية – على مرّ السنوات – للكيان الإسرائيلي كشرطي لتنفيذ المهام التي توكل إليه.
وعلى اعتبار أنّ القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين المركزية، إلا أنّ ذلك لا يعني السماح بالتدخّل في الشؤون الداخلية، وتقديم أي من الملفات الفلسطينية في إطار أي مباحثات وتسويات مقبلة.
لقد بات واضحا أنّ الصراع في المنطقة ليس صراعاً دينياً، وهو ما تسعى إلى تعميمه الأقليات، وفي الطليعة الكيان الإسرائيلي، من خلال تعميم القومية اليهودية الصهيونية، وليس الديانة اليهودية السماوية، ومن أجل تكريس ذلك، يتم العمل على إقامة فيدراليات وكانتونات عرقية ومذهبية وتقسيم جديد لمنطقة الشرق الأوسط، يبرّر وجود دولة قومية يهودية في فلسطين.
ويبدو جلياً أنّ ما يجري في المنطقة، ليس متعلّقاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة، بل بمصالح الدول، وأنّه إذا كان بالإمكان حدوث تدخّل عسكري في أي من الدول، فإنّه ليس بالإمكان وضع حواجز أمام الفكر التكنولوجي العابر للأجيال والحدود، خاصة جيل الشباب الذي يُغرّر به من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت، حيث تبرز أهمية تشخيص الواقع الذي يؤدي إلى دمار وخراب، وضرورة اتخاذ قرارات عقلانية من خلال الثقافة والتوعية في مواجهة الأفكار الهدامة.

 

المصدر : اللواء