يطل علينا يوميا عشرات من محللي الزمن الأخير، ذوو العقول الفذة الذين يتساءلون لماذا يجرّ " الحزب" لبنان إلى معركة ليس له فيها ناقة ولا جمل؟ وكأن صراعنا هو مع جمعية خيرية حول مكان لصفّ السيارات، لا صراع حضاري وثقافي ووجودي كلف حتى الآن أكثر من 50000 شهيد في غزة وثلاثمائة شهيد وأكثر في جنوب لبنان فقط في طوفان الأقصى، إضافة لمئات آلاف الشهداء على مذبح هذا الصراع، وهنا يقول البعض من السياديين الذين يعتقدون أن صوت الصواريخ يخدش مسامعهم الرقيقة او يقتل "السكرة" لتأتي الفكرة وهي أن ثمة مجموعة في لبنان وقفت بوجه أعتى جيش في هذا الشرق، مسطرة ملحمة بطولية في الشهادة، فماذا يمكن أن تقول في أبٍ عاد ابنه شهيدا فاستقبله بفخر متعهدا أن يمضي جميع من في المنزل على خطى فلذة كبده.

 لو لم يكن الحزب موجودا لما سأل احد في هذا العالم عن مكاننا على  الخريطة، فهذه الثلة من أبناء الوطن والتي حمت الكيان من الخطر التكفيري والصهيوني هي التي تعني بحضورها وقوتها الاميركي والغربي والعالم بأسره، كونها السد المنيع لكل هجمة استعمارية واحتلال من أي نوع كان، وبغض النظر عن مدى اتفاق البعض الأيديولوجي من عدمه مع هذه المسيرة، فمن يقل أن الأيديولوجيا أكبر من لبنان يمكن لنا أن نسأله أين اعتدى معتنقو هذه الأيديولوجيا على أي عقيدة او فكرة او ثقافة أخرى بهدف إلغائها او تعميم فكرة على أخرى بالقوة؟ 

لو لم يكن هذا الحزب موجودا لكنا اليوم مقاطعة من مقاطعات الحلم الممتد من الفرات إلى النيل، هذا ليس عاطفة او تمنٍّ او تحليل، هذه حقائق يعرفها الجميع من أقصى الشمال لأقصى اليمين. لو لم يكن هذا الحزب موجودا، كيف كان عباقرة الزمن سيدافعون عن لبنان، في ظلّ الكذب الأمريكي الذي يتحدث عن تسليح الجيش وتقوية الأمن الوطنيّ. لو لم يكن هذا الحزب موجودا لكانت الجمهورية اليوم تعيش تحت رعاية نتنياهو وبإشراف البغدادي.

بعيدا عن موافقتك لهذه الفكرة من البوابة الدينية الأيديولوجية من عدمها، لا يمكن وبعد كل التجارب إلا تأكيد المؤكد أن قوة لبنان لا تكون بالتسول ولم تكن، وإنما بمقياس الردع والمواجهة واليقين بأن هذا العالم لا يعرف سوى بلغة توازن القوى ومقومات المواجهة والتصدي والحضور على أرض الميدان.