بأقلامهم >بأقلامهم
نحن لم ندفع الغالي من الأثمان كي نعود لنرتمي في الأحضان
جنوبيات
في تاريخ لبنان مع سوريا، جولات وصولات دفع فيها لبنان الغالي والنفيس في مواجهة نظام أطماعه التي ما توقفت يوماً عن التوسع في لبنان. لقد دفع لبنان قوافل من الشهداء روت دماؤهم أرض لبنان المقدسة وأرزه الذي بقي شامخاً.
إلى الأمس القريب، كان لبنان ما زال يسدد ضريبة الدفاع عن سيادته وحريته. لوائح الشهداء والمفقودين والمعتقلين تشهد على مدى الإجرام والقتل الذي لحق بلبنان وباللبنانيين على مدى عقود بسبب ممارسات النظام السوري السابق من احتلال وقمع وتدمير وخطف وقتل. الأشرفية في الذاكرة، وشهداء الأرز ما زالت دماؤهم الزكية تجري في جذور كل أرزة في لبنان.
أما عن الوفود التي سارعت إلى الارتماء في أحضان سوريا بشكل مفاجئ، منها من قدم مزارع شبعا كهدية وأوراق اعتماده وألقى بنفسه من حضن الخدّام إلى حضن جديد منصباً إياه "سيدي القائد"، لا نعرف مداه ولا نعلم آفاقه وحدوده. ومنها من ذهب ليقدم الولاء والطاعة وليناقش مصير الموارنة في الشرق فيما هو لا يمثل إلا نفسه، ومن معه لا ينطقون إلا بلسان أنفسهم وليس بلسان أناسهم ومنتخبيهم. والمضحك المبكي في وقتٍ واحد هو من بدأ بإغداق الصفات. صفة "الرفيق" لا تُعطى بين ليلة وضحاها. الرفيق هو رفيق البندقية التي دافعت عن لبنان وعن الأشرفية وعن اللبنانيين. الرفيق هو الرفيق الذي حارب في زحلة. الرفيق هو بطرس خوند المختطف. صفة الرفيق دفعنا ثمنها غالياً ودعوات أمهات ثكالى من الوجع والحرقة. الرفاق هم رفاق الوطن والعقيدة اللبنانية الوطنية، والقطاف إنما يكون للثمار اليانعة.
للأسف، نحن لم نتعلم من التاريخ وما زلنا نلهث وراء الكلام المعسول دون أن نتحقق ونتأكد من نوايا من يقابلنا. فهل نسينا عرسال ومن قفز إليها ليتشدق وبعدها حلت الكارثة الأليمة والآثمة مع الجيش اللبناني واضطررنا إلى القتال في معركة فجر الجرود؟ أوليس هم أنفسهم الذين يحجون إلى سوريا اليوم؟ كانوا في عرسال وكانت لهم مواقف متناقضة من النزوح السوري ومن الجماعات المسلحة التي تظهرت في عرسال وغيرها.
أما آن الآوان كي نحترم ذاتنا بعد الباع الطويل الذي لنا في العلاقات مع سوريا، على الأقل لنلتمس مدى جدية من يمسك زمام الأمور في سوريا ببناء علاقات ندية مبنية على قاعدة احترام سيادة الدولتين، وكل المواثيق التي تحدد أسس التعاطي والتعامل بين دولتين شقيقتين في العروبة وجارتين في الجغرافيا.
ألا يجب أن نحترم أنفسنا وألا ندعو أحداً بشكل مباشر أو غير مباشر ليتدخل بنا؟ فلا ينفع الندم بعد أن تقع الواقعة، والتاريخ عندما يعيد نفسه إنما يتكرر بأسوأ أوجهه.
أيها اللبنانيون، لسنا هنا في معرض التدخل أو نقاش السلطة الجديدة التي تتولى سوريا، ولا نريد أن نوصفها ولا أن نتدخل في شؤون سوريا الداخلية لأننا نريد أن نُعامل بما نعامِل، ولكن نسأل اليوم: كيف ستتوافق كل هذه الفصائل السورية على قرار واحد؟ وكيف ستتعاطى تركيا الداعمة لهيئة تحرير الشام مع السوريين؟ وما هي أبعاد دعمها وأحلامها في سوريا؟
لننتظر برهة من الزمن قبل اتخاذ أي موقف أو رسم أية سياسة جديدة مع سوريا. فأيها اللبنانيون، لا تهم عقدة ربطة العنق في شكلها، بل الذي يهم عند أي كان هو مدى استعداده لاحترام كل الطوائف والأطياف قولاً وفعلاً وممارسةً. ولتجلب الأيام القادمة الخير على سوريا ولبنان