عربيات ودوليات >أخبار دولية
من إعلام العدو: التدخل السعودي يساعد على انسحاب إسرائيل من لبنان
الاثنين 27 01 2025 08:10جنوبيات
لن يدخل الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية حيز التنفيذ في موعده، وآلاف السكان الذين كانوا موعودين بالعودة إلى منازلهم هذا الأسبوع سيضطرون إلى الانتظار في أماكن إقامتهم الموقتة من دون معرفة متى سيُعطى الضوء الأخضر من أجل عودتهم. وتدّعي إسرائيل أن الجيش اللبناني لم يفِ بالتزاماته وفق ما ورد في الاتفاق، ولم ينزع قواعد حزب الله، ولم يجمع سلاحه، وكان الرد اللبناني أنه ما دامت إسرائيل موجودة في عشرات القرى في جنوب لبنان، فإن الجيش اللبناني لا يستطيع أن يتحرك فيها، ويضيفون في لبنان أنه في الأماكن التي انتشر فيها الجيش اللبناني، جمع كثيراً من السلاح، ونقله إلى مخازنه.
ولقد سبق أن انسحبت إسرائيل من عدة بلدات احتلتها، لكن التأجيل الأخير يثير شكوكاً كثيرة في أن إسرائيل تنوي الاحتفاظ بعدة مواقع لوقت طويل، وهذه المواقع يمكن أن تتحول إلى نقاط احتكاك وذريعة لرد عنيف من طرف حزب الله، سيواجَه بردّ إسرائيلي، ومن هناك الطريق قصيرة نحو انهيار وقف إطلاق النار. وهذا التهديد ليس خافياً على الدول التي تتوسط، وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا اللتين تلحان في مناقشات لجنة الرقابة على تطبيق وقف إطلاق النار، والتوصل إلى موعد متفق عليه جديد وقريب لاستكمال الانسحاب، وبصورة أساسية للتأكد من أن إسرائيل لا تنوي إبقاء أراضٍ داخل لبنان تحت سيطرتها الدائمة.
وتتخوف الدول الوسيطة من أن هذا الوجود الدائم لا يتسبب فقط بتعريض وقف إطلاق النار للخطر، بل أيضاً ينسف المرحلة التالية من الاتفاق، والتي استناداً إليها فستبدأ الدولتان في المفاوضات على ترسيم الحدود البرّية بينهما، وهي خطوة من المفترض أن تنهي فصلاً من النزاعات الإقليمية بينهما يشمل 13 نقطة موضوع خلاف استخدمها حزب الله طوال أعوام كذريعة لمحاربة إسرائيل بحجة تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.
وفي غضون ذلك، يبدو حزب الله، الذي تجنب دخول مواجهات مع الجيش اللبناني، يغير لهجة تهديداته؛ ففي بداية الأسبوع، حذّر علي فياض - نائب لحزب الله في البرلمان اللبناني - من أن «حزب الله ينتظر يوم 26 من هذا الشهر، اليوم الذي ستستكمل إسرائيل فيه سحب قواتها بالكامل.» وأضاف: «إن عدم إكمال إسرائيل انسحابها من أرضنا ضمن المهلة المقررة، وعدم قيام اللجنة الدولية بدروها المفترض لإلزام العدو بذلك وفقاً للإجراءات التنفيذية للقرار 1701، يشكّل معطى شديد الخطورة، ويهدد مسار الالتزامات والاتفاقات التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية... وهذا الوضع الجديد يضع اللبنانيين في مواجهة مرحلة جديدة تفرض اعتبارات جديدة عنوانها المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل والطرق من أجل إخراجه من أرضنا. هذه المواجهة هي مسؤولية كل اللبنانيين، حكومة وجيشاً وشعباً وكذلك مسؤولية الأحزاب المعارضة لحزب الله.»
وفي يوم الجمعة، أصدر الحزب بياناً جديداً حذراً وأكثر اعتدالاً جاء فيه: «كل خرق لفترة 60 يوماً ستُعتبر انتهاكاً خطِراً للاتفاق، ومسّاً بالسيادة اللبنانية على أراضيه [أي لبنان] يتعين على الدولة مواجهته بكل الوسائل والطرق.» ومعنى ذلك أن الحزب يحمّل الدولة اللبنانية مسؤولية مواجهة خرق الاتفاق بعد التهديد السابق، ولم يقدم نفسه بأنه سيعمل مكان الحكومة أو سيعمل معها في أي مواجهة يمكن أن تتطور.
لكن هذا «الموقف المراقب» الذي يقفه حزب الله الآن يضع الحكومة اللبنانية في موضع اختبار، ليس فقط تجاه سكان جنوب لبنان، بل أيضاً كدولة يجري «السخرية» منها عبر خرْق اتفاق وقّعته من دون أن ترد على ذلك بما يتناسب. وهذا الموقف يزيد من أهمية حزب الله كونه التنظيم الوحيد الذي يعرف كيف يواجه إسرائيل ويستطيع تهديدها. ومن هنا، فإن هذا الموقف يجعل كل مطالبة بنزع سلاح حزب الله هو تهديد لأمن لبنان، ولا سيما أن حكومته لا تزال غير قادرة، بحسب حزب الله، أو مؤهلة للنجاح في اختبار الدفاع عن حقوقها وسيادتها.
وهذا الاختبار الخطِر يأتي في وقت خطا فيه لبنان خطوته الأولى نحو قيام حُكم جديد هدفه إصلاح الدولة وإنقاذها من الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني جرّاءها منذ 5 سنوات. إن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو جوزيف عون، بعد عامين من الفراغ الرئاسي، والموافقة السريعة والاستثنائية على تعيين قاضي محكمة العدل الدولية نواف سلام في منصب رئيس الحكومة المكلف، هما خطوتان مهمتان على الطريق السياسي المملوء بالألغام، لكن لا تزالان بعيدتين عن خطة عمل قابلة للتحقيق.
يُجري نواف سلام في هذه الأيام مفاوضات شاقة من أجل تشكيل الحكومة، وهي الخطوة التي كانت سابقاً تستغرق أشهراً عديدة، لكن الآن وبسبب الوضع الطارئ، فربما ينجح سلام في تقصير المدة. ويسعى سلام للتوفيق بين تطلعه إلى تشكيل حكومة «تكنوقراط» لا يخضع فيها توزيع الحقائب للتوزيع الطائفي المعتاد، ومعرفة سلام الثمن السياسي لإرضاء التمثيل الطائفي، وبالتالي تجنُب العوائق التي تعترض خطة الإصلاحات الهيكلية. وهذه الإصلاحات، في النظام المصرفي والبنك المركزي وشركة الكهرباء والمؤسسات الحكومية الأُخرى، والتعديلات والقوانين الاقتصادية وآليات الرقابة على عمل إدارات ووزارت الحكومة هي شرط أساسي تفرضه الدول المانحة والمؤسسات الدولية لتقديم المساعدات.
لكن لبنان ليس الوحيد الذي يقف في الصف أمام صندوق الدول المانحة؛ فسقوط نظام بشار الأسد بين يدَي أحمد الشرع زعيم «هيئة تحرير الشام» جعله الشخص المميز لدى أغلبية الدول العريبة والغربية، وجعله رصيداً استراتيجياً، لأنه يُعتبر الكابح المركزي للنفوذ الإيراني والروسي في المنطقة. ومن المنتظر أن تكون غزة مركزاً تالياً لجذب الاستثمارات العربية والدولية، بسبب الحجم الهائل للدمار، ولأن إعادة إعمار غزة هي جزء من اتفاق وقف إطلاق النار وتحرير المخطوفين.
أمّا لبنان، وعلى الرغم من تعرضه لخسائر تقدَر بـ13 مليار دولار، وهناك مليون وربع المليون من سكانه نزحوا من منازلهم، فإنه لا يُعتبر «منطقة كوارث» تفرض تدخُلاً دولياً سريعاً. كما أن الأهمية الاستراتيجية للبنان لا توازي أهمية سورية، والمفارقة أن الضربة التي تعرض لها حزب الله، والتي حولته من تنظيم يفرض سياسته على لبنان ويشكّل تهديداً إقليمياً ويجر لبنان إلى حرب، إلى تنظيم يكافح الآن دفاعاً عن مكانته السياسية، قللت من الخطوة التي يمثلها لبنان إقليمياً، وبالتالي من ضرورة إنقاذه.
ومن حسن الحظ أن لبنان وسورية هما الآن مركز اهتمام السياسة الخارجية للسعودية التي ترى في الدولتين فرصة كي تحل محل إيران، وتريد أن تجعل من هاتين الدولتين رصيداً استراتيجياً في منطقة تخوض فيها منافسة جديدة مع تركيا وقطر. يمكن للسعودية، التي زار وزير خارجيتها فيصل بن فرحان بيروت ودمشق هذا الأسبوع، أن تشكل رافعة إنقاذ اقتصادي أساسية للبنان، لكن لديها شروط؛ فبالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي تضعها كشرط للمساعدة، فإنها تضغط الآن من أجل تقليص دور حزب الله في الحكومة اللبنانية الجديدة. وإذا حالت أسباب سياسية دون فرصة إبعاد الحزب بالكامل عن الحكومة، فإنها ستصر على عدم إعطائه وزارات مهمة يمكن أن تساعده في ترميم مكانته الشعبية.
وبهذه الطريقة، فقد تحولت الرياض إلى لاعب فاعل ومهم في المساعي الرامية إلى إنهاء الوجود الإسرائيلي في لبنان من أجل تحرير رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة التي ستتشكل من تهديدات حزب الله والتحدي السياسي الذي يضعه أمامهم، وإنهاء المنافسة بين حزب الله والدولة اللبنانية على إعادة إعمار لبنان. ومن أجل نجاح الخطوة السعودية – اللبنانية هذه، فمطلوب الآن تعهّد إسرائيلي بالتسريع في استكمال الانسحاب من لبنان والسماح بالانتشار الكامل للجيش اللبناني على طول الحدود. ومَن يتطلع إلى التطبيع مع السعودية، فسيضطر أيضاً إلى أن يأخذ في اعتباره تطلعاتها الاستراتيجية في المنطقة.