عام >عام
باسيل "ينغّص" على بري بالتمدّد إلى معقله في دائرة الزهراني – صور
تكتّل المتضرّرين لاقتناص مقعد من "أمل" يستوجب ترشيح الأقوياء
الأربعاء 31 01 2018 08:44هيثم زعيتر
لا يمكن الاستكانة والركون إلى أنّ الأمور ستسير في دائرة صيدا (الزهراني) - صور بسلاسة، دون أنْ تعكّر صفوها أي تطوّرات غير مأخوذة بالحسبان بشكل جدي.
هذه الدائرة تُعتبر معقل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي اتخذ من منطقة وسطية فيها "المصيلح"، موقعاً لإقامته، قبل تعيينه نائباً في مركز مستحدث فيها عام 1991، ثم انتخابه نائباً عنها في الانتخابات التي جرت بتاريخ 6 أيلول 1992، والتي منها انتُخِبَ رئيساً للمجلس النيابي، والمستمر في موقعه بشكل متواصل لأكثر من ربع قرن.
وسيكون الرئيس بري مضطراً للإقامة فيها قبل الإنتخابات لمعالجة عدد من القضايا، التي تبدو "مُعقّدة" بعض الشيء، لكن من خلال التجارب، فإنّ مَنْ يلتقي بالرئيس بري، يخرج بعبارة "أبو مصطفى بيمون".
لكن تربّع "الأستاذ" على سدّة الرئاسة الثانية، يزعج الكثيرين، منهم مَنْ يلتزم الصمت ويكتم الأنفاس "لأنّ ما باليد حيلة"، ومنهم مَنْ يحاول إزاحته عن الرئاسة الثانية، "مقنّصاً" لأنّها تشكّل عقبة أمام أحلامه ومخطّطه لتحقيق طموحات مستقبلية.
وكاد كلام رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، مستهدفاً الرئيس بري بعبارات غير مألوفة في الخطاب السياسي، أنْ يُشعِل البلاد، لولا تدخّل الحكماء على خط التهدئة، وإنْ كان الجمر لا يزال تحت الرماد.
فكلام الوزير، الذي أورثه عمّه العماد ميشال عون، رئاسة أحد أكبر الأحزاب المسيحية في لبنان، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، لم يكن كلاماً إنتخابياً في بلدة محمرش البترونية، لأنّ هناك مَنْ يشجّعه على عدم الإعتذار.
وهذا الكلام ليس زلّة لسان، بل عقيدة راسخة لدى مَنْ يسعى إلى تشكيل "التيار الشيعي" الثالث، كما عبّر الوزير باسيل عن ذلك في أكثر من مناسبة.
ويركّز رئيس "التيار البرتقالي" على الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، بما يتجاوز المسيحية منها إلى الشيعية، على أمل ترشيح أحدهم بمواجهة الرئيس بري في رئاسة المجلس النيابي.
ولا يألو وزير الخارجية جهداً، إلا ويبذله في محاولة لاقتناص مقعد من المقاعد الشيعية الـ14 في الجنوب، والكاثوليكي في دائرة الزهراني - صور، في محاولة للتعويض عمّا يمكن أنْ يفقده "الوطني الحر" من مقعد ماروني على الأقل في دائرة صيدا - جزين، الذي يبدو أنّه سيؤول إلى المرشّح إبراهيم سمير عازار، المدعوم من الرئيس بري.
وعين الوزير باسيل على المقعد الكاثوليكي في قضاء الزهراني، الذي يمثّله النائب الدكتور ميشال موسى، لكن الرئيس بري يقفل أبواب هذه الدائرة بشكل شبه جيد، انطلاقاً من تحالفه مع "حزب الله"، حيث يبلغ عدد الناخبين في هذا القضاء (111217) يتوزّعون على: (80990 شيعياً) و(4538 سنياً)، أما المسيحيون فيبلغ عددهم (25261)، بينهم (11963 كاثوليكاً) و(11607 موارنة)، فضلاً عن آخرين، ويتولّى رئاسة الماكينة الإنتخابية لحركة "أمل" في هذا القضاء الدكتور خليل حمدان.
ومن الواضح أنّ الناخبين الشيعة يدينون في غالبيتهم بالولاء للحركة والحزب، أما المسيحيون المنتشرون في 21 بلدة في القضاء، فهم يتوزّعون على 3 أقسام: مَنْ يؤيّدون الرئيس بري، ومَنْ يناصرون أو يؤيّدون "القوّات اللبنانية" و"الوطني الحر".
سلخ قضاء صيدا!
وعانى الرئيس بري في انتخابات العام 2005 من آثار توجيه رسائل له، بتدنّي اقتراع المسيحيين له شخصياً، حيث نال (2231 صوتاً) من أصل (7025) اقترعوا من بين (21845 ناخباً مسيحياً)، فيما نال المرشّح على اللائحة المنافسة المهندس رياض الأسعد (4611 صوتاً)، الذي تحالف معه "التيار الوطني الحر" من خلال العميد المتقاعد فوزي بوفرحات، حيث طالب "التيار" بالمقعد، لكن الرئيس برّي أكد التمسّك بالنائب موسى، وكان هناك تراجع في الإقبال على الإنتخابات لدمجها مع الجنوب، قبل أنْ ترتفع في العام 2009 بعد اعتماد القضاء دائرة، لكن لم يرشّح "التيار" للمقعد الكاثوليكي، بل رشّحت "القوّات" روبير خوري، تحالفاً مع الأسعد.
وحالياً هناك حالة تذمّر حقيقية في القضاء لسلخه عن عمقه الطبيعي، مدينة صيدا، وعدم ضمّه إلى دائرتها مع جزين، بل دمجه مع دائرة صور.
كما أنّ غالبية الأصوات المسيحية تميل في هذه الدائرة إلى "القوّات اللبنانية"، التي قد لا ترشّح أحداً لتفادي الصدام مع الرئيس بري، وهذا يعني أنّ باسيل سيسعى إلى نسج تحالفات لدعم مَنْ يترشّح في لائحة بمواجهة الرئيس بري، مع التركيز على قضاء صور الذي يتمثّل بـ4 مقاعد شيعية تتوزّع مناصفة بين حركة "أمل"، وتتمثّل بالنائبين علي خريس وعبد المجيد صالح، و"حزب الله" ويمثّله وزير الشباب والرياضة محمد فنيش والنائب نواف الموسوي.
وفي هذا القضاء يبلغ عدد الناخبين (186762) بينهم (157863 شيعياً) و(16194 سنياً)، والمسيحيون (12108) في غالبيتهم من الطائفة الكاثوليكية التي تتمثّل بحوالى (6300 ناخب)، ويتولّى رئاسة الماكينة الإنتخابية لحركة "أمل" مدير عام مصلحة الريجي المهندس ناصيف سقلاوي.
ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة (297698)، يُتوقّع أنْ يقترع منهم بين 50%-65% بنسب متفاوتة بين المسلمين والمسيحيين، ليصل العدد إلى حوالى (170000) - أي أنّ الحاصل الإنتخابي لفوز اللائحة بمقعد واحد هو ما بين (21500-24500 صوت) مجموعاً من مقترعي القضاءين.
تكتّل الخصوم
وهذا يعني أنّه إذا ما تكتّل خصوم الرئيس بري والمتضرّرون، ليس بالصعوبة جمع مثل هذه الأصوات، انطلاقاً من أنّ هناك متضرّرين كثراً، ربما ليس من الرئيس بري شخصياً، بل ممَّنْ يشعر بغبن من عدم الإهتمام به بشكل شخصي، أو مجموعات، وسيترجم ذلك إقتراعاً للائحة أخرى.
كما أنّ هناك الثقل السني الذي يتوزّع بين "تيار المستقبل" و"الجماعة الإسلامية" والناصريين.
كذلك، فإنّ المسيحيين يتوزّعون بين "الوطني الحر" و"القوّات اللبنانية" مع دور للمطارنة.
ويبلغ مجموع الناخبين من السُنّة والمسيحيين في قضاء صور حوالى (28000)، ولا يتمثّلون بأي نائب، إضافة إلى عدد السُنّة والمسيحيين في قضاء صيدا (الزهراني) الذي يبلغ حوالى (30000)، يشكّلون حوالى 20% من مجموع الناخبين في الدائرة.
وليس باستطاعة أي كان التعامل بتهميش مع هذه المجموعات، واعتبار أنّها في الجيب، بل هناك حاجة إلى التعاطي معها من مبدأ الشراكة وليس التبعية.
فضلاً عن الحراك المدني والقوى السياسية ومنها اليسارية وآل الخليل، وهناك مَنْ يشعر بغبن من أنّ عدداً من النوّاب لا يزور المنطقة إلا في عطلة نهاية الأسبوع، لتواجده في بيروت باستثناء النائبين خريس وصالح، وهي تجربة عانت منها حركة "أمل" سابقاً بتمثيل الوزير الدكتور محمد عبد الحميد بيضون لأحد المقاعد في قضاء صور.
كذلك، فإنّ مقرّبين من الوزير باسيل بدأوا اتصالاتهم مع فاعليات في المنطقة، عبر تقديم خدمات ومحاولة دعم تشكيل لائحة، هدفها استهداف الرئيس بري و"التنغيص" عليه في عقر داره، بدعم لائحة يمكنها تأمين الحاصل الإنتخابي في هذه الدائرة، ليفوز مكان آخر المرشحين الـ7 من اللائحة التي سيشكّلها الرئيس بري.
وقد ركّز الوزير باسيل في زيارتين سابقتين له إلى منطقة صيدا وشرقها على زيارة بلدتَيْ الغازية والصرفند (ذات الغالبية الشيعية)، لكن الحضور الذي اقتصر على الجانب الرسمي، كان بموافقة الرئيس بري!
بين الحركة والحزب
والمتضرّرون من الرئيس بري لديهم من الدراية على التحريض، بأنّه استثنى تمثيل مدينة صور، وأنّ نوّاب القضاء يتم اختيارهم من الجهة الشمالية للقضاء، وهم على خط واحد: النائب خريس (برج رحال)، الوزير فنيش (معروب)، النائب الموسوي (أرزون)، وقبلهم النائب عبدالله قصير (دير قانون النهر) والوزير بيضون (شحور) والنائب أحمد عجمي (العباسية)، ومعالجة هذا الخلل يكون بتمثيل كافة المناطق في قضاء صور.
كما أنّ الحرب الخفية بين حركة "أمل" و"حزب الله"، هي على استقطاب القوى والفاعليات، وتُعتبر مدينة صور آخر المدن الرئيسية - دون القرى - التي تُدين للرئيس بري وحركة "أمل"، فكيف يمكن المحافظة عليها؟!
وإذا كان في برلمانات الدول المتقدّمة، مهمّة النائب التشريع، فإنها في لبنان، تنطلق من فهم المواطن لقضيته الخاصة، بأنْ يجد مَنْ يفوضّه تمثيله في الندوة البرلمانية إلى جواره، ليس فقط في تقديم الواجبات الاجتماعية، بالتعازي، وهي مرهقة في واحدة من أكبر الأقضية مساحة وأعداد الناخبين مع السكان المقيمين، ومنهم في المخيّمات الفلسطينية، والعلاقات مع "اليونيفل"، بل لدى حاجته إلى الإستشفاء والطبابة، وفي تأمين مقعد دراسي، والبحث عن الوظيفة، وتأمين لقمة العيش، وحل الخلافات، والمتابعة مع القضاء والجهات الأمنية والعسكرية، وعلى مدى ساعات النهار كما الليل، وهو أمر مضنٍ.
لا يتوقّع أنْ يكون هناك تغيير في لائحة الرئيس بري بالنسبة إلى إعادة ترشيح نفسه والنائب علي عسيران للمقعدين الشيعيين في قضاء الزهراني مع النائب موسى للمقعد الكاثوليكي.
أما في صور، فسيتم الترشيح للمقاعد الشيعية الأربعة: الوزير فنيش والنائب الموسوي "حزب الله" والنائب خريس ثابت من حصة حركة "أمل"، والتغيير يبدو أنّه سيطال النائب صالح من حصة الحركة، حيث يبرز إسم وزيرة التنمية للشؤون الإدارية الدكتورة عناية عز الدين (إذا ما قرّر الرئيس بري السير بـ"الكوتا" النسائية) أو مسؤول إقليم جبل عامل لحركة "أمل" المهندس علي إسماعيل.
وتبقى كل الأمور مرهونة بقرارات قيادتَيْ حركة "أمل" و"حزب الله"، بما فيها احتمالات ما يُطرح لجهة فصل الوزارة عن النيابة لشمولية التمثيل!
الوزير جبران باسيل.. بدنا مقعد شيعي بالجنوب