مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
هيثم زعيتر: الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. لا يمكن أنْ يُنسى
جنوبيات
13 عاماً مضت على اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكأنّها بالأمس..
13 عاماً حملت منذ غيابه الكثير من التغيّرات والتحوّلات في لبنان والمنطقة والعالم..
وكأنّ اختطاف رفيق الحريري.. تلك القامة "الشاهدة" على نهضة وطن، و"الشهيدة" بدماء هذا الوطن.. كان من خطوات المتربّصين بأمن العالم لنشر عبثهم، والعزف على وتر الخراب والدمار أينما حلّوا!
13 عاماً وفي كل عام عندما يُحمَل القلم للكتابة عن شهيد لبنان والعروبة الرئيس رفيق الحريري.. لا يمكن سرد خصاله.. فتتوه الكلمات في بحر مشروعه واتساع رؤياه، ومدى بصيرته.. وعدم القدرة على جمع مبادراته وأسمى محطات حياته، التي كلّلها بالنجاح من قلب "عاصمة الجنوب" صيدا.. ماضياً صوب العالم بذراعين مقبلتين على الحياة.. لتحتضنه عاصمة الوطن، بيروت التي أحبّته عريساً أبدياً..
في تمام الساعة 12:55 من ظهر الإثنين 14 شباط 2005.. اليوم الذي يحتفل فيه العالم بالحب.. شاءت يد الغدر أنْ تحرم لبنان من إبنه البار.. شعلة من لهب الحقد اختطفته على حين غُرّة.. فيما كانت صورته الأخيرة ابتسامة نقلتها كل وسائل إعلام العالم.. حيث مضى خطواته الأخيرة من ساحة النجمة في قلب العاصمة بيروت، بعد مناقشات في مجلس النوّاب بشأن قانون الإنتخابات النيابية.
عشيّة "عيد جميع القديسين" في العام 1944 أبصر رفيق الحريري النور في صيدا، من والدين صيداويين الحاجّين بهاء الدين الحريري وهند حجازي، ليترعرع في أزقة "عاصمة الجنوب" وطرقاتها وساحاتها.. ويختبر ناسها وأهلها بفرحهم وترحهم.. رافعاً لواء صيداويته أباً عن جدّ.. تلك المدينة التي عَرَفَته فتى عصامياً.. وشاباً طموحاً.. وعملاقاً معطاءً، فكانت محط أول مشاريعه، ولم يبخل عليها يوماً.
وهو في سن الطفولة، وقعت نكبة فلسطين في العام 1948، فشبَّ على المد القومي وانخرط باكراً في "حركة القوميين العرب"، مؤمناً بقضايا أمته من أوسع أبوابها، ومدركاً حتميّة المخاطر التي تواجه هذه الأمة، قبل أنْ ينتقل إلى المملكة العربية السعودية ليحقّق أحلامه، التي جاهر بها أمام زملائه في الدراسة بأنْ يصبح رجل أعمال، وهو ما تحقّق.
ومتى أصبح في سدّة المسؤولية ترجم قناعاته واقعاً ملموساً، محاولاً بكل ما يملك من قدرة أنْ يؤثّر في القرار الدولي، فعمل بداية من أجل لبنان، وكان حاضراً في أكثر من مؤتمر ولقاء من أجل إسكات صوت المدفع، وفي طليعتها في مدينة الطائف في العام 1989، حيث توصّل النواب اللبنانيون إلى "إتفاق الطائف"، الذي أقرّه مجلس النوّاب فأصبح "وثيقة الوفاق الوطني"، ليمتد دوره بعد ذلك إلى الداخل اللبناني، وأطلق ورشة إعمار البلد، حاملاً راية الأمل، ومُشعِلاً منارة العمران والاقتصاد مع تسلّمه رئاسة الحكومة في العام 1992.
كما لم يقف الرئيس الشهيد مكتوف اليدين إزاء الإعتداءات الإسرائيلية، فبموازاة حركة الإعمار تحمّل بشجاعة مسؤولياته الوطنية تجاه "المقاومة"، فإضافة إلى دفاعه السياسي عنها، وحشد الرأي العام الدولي المؤيّد لها، نجح في إضفاء صفة "الشرعية الدولية" عليها، عبر مساهمته في صياغة اتفاق "تفاهم نيسان"، إثر عدوان "عناقيد الغضب" الإسرائيلي في نيسان 1996، الذي شكّل محطة هامة في عمل المقاومة، ومن ثم إيلائه الإهتمام برعاية أسر شهداء العدوان، والتي استمرت وقفيته بتقديم كل ما يحتاجون اليه حتى بعد استشهاده، ثم في الإفراج عن الأسرى في سجون العدو عبر ضغط دولي.
لم يتنكّر الرئيس الحريري لأصدقاء طفولته، بل كان دائماً على تواصل معهم، وعلى عهده بهم، فهم حتى بُعيد استشهاده ما زالوا يروونئ فيه الصديق الوفي والرفيق الصادق، ومجالسته لا تخلو من "خفة الدم" و"سرعة البديهة" التي كان يتمتّع بهما، وروحه المرحة والمتفائلة، فلم يكن يخيب أمل أحد، ولا يرد سائلاً، حتى "معارضيه" كانوا يرون فيه الخصم الشريف ورجل الحوار، فلم تخرج من فمه يوماً كلمة جارحة أو لفظ نابٍ، بالرغم من كل ما كان يُهاجم به.
رحم الله فقيد لبنان والعالمين العربي والإسلامي، الذي عاش عظيماً، واستشهد عظيماً، ورقد في فناء "مسجد محمد الأمين"، خير المرسلين في ساحة الشهداء بوسط بيروت مع مرافقيه الشهداء، حيث تعانق مآذن المساجد أجراس الكنائس، إيماناً برفيق لبنان.. سيد العيش المشترك من الميلاد إلى الممات.. والذي لا يُمكن أن يُنسَى..