مقالات مختارة >مقالات مختارة
الفنان سمير قانصو يجسّد الواقع بطريقة مجرّدة
تُشكّل الوجوه والأماكن مساحة واسعة من لوحاته
عودة الاستقرار والأمن إلى لبنان تعيدان للفن ثقافته
الفنان سمير قانصو يجسّد الواقع بطريقة مجرّدة ‎الأربعاء 22 06 2016 06:50
الفنان سمير قانصو يجسّد الواقع بطريقة مجرّدة
الفنان سمير قانصو مع إحدى لوحاته

سامر زعيتر

لوحات تشكيلية تأخذ منحىً مختلفاً عن التجميل والتزيين، مرتكزة على اختزال الواقع وتجسيده بريشة فنان، يضفي عليها الناظر وجهة نظر جديدة، تُغني الفن بفلسفات وآراء عديدة...
الفنان سمير قانصو، اختار الفن التشكيلي متخذاً من الوجوه والأماكن مساحة واسعة للتعبير عن فنه، مازجاً إيّاه بسوداوية مؤقتة ما تلبث أن تدخل إليها الألوان لتضفي عليها جمالاً وظلالاً، تناغم فيما بين الصورة والخيال، تبعدك قليلاً عن الواقع وتعيدك إليه في الوقت ذاته...
تجربة تختصر التنقل فيما بين المناطق، التي أعطت له إنطلاقة فنية جاءت من عاصمة الجنوب، مدينة صيدا، ليمزج بين ثقافة اللغة وثقافة اللون، لكن كان للأخيرة الغلبة في زمن عزت فيه الريشة على نقل واقع يعجُّ بالحروب والاضطرابات في المنطقة وتناحر سياسي يؤثّر سلباً على الفن والثقافة...
"لـواء صيدا والجنوب" يُسلّط الضوء على أعمال الفنان سمير قانصو، حيث عاد بهذه الانطباعات...

الإنطلاقة من صيدا

مدينة صيدا، شهدت إنطلاقة أعماله الفنية، وفق ما أشار الفنان سمير قانصو بالقول: "أمضيت طفولتي في النبطية، حيث درست فيها في مدرسة الراهبات وجئت إلى صيدا بعد الحوادث في الجنوب واستقرّيت في منطقة عبرا - شرق صيدا في العام 1982، وقد عملت مدرّساً للغة الفرنسية مع "مؤسسة الحريري"، ومارست الرسم في نفس الفترة منذ العام 1986، وقامت "مؤسسة الحريري" بتقديمي إلى الناس من خلال إقامة معارض فنية لي، ثم بدأت بتنظيم المعارض منفرداً، وحالياً أرسم بشكل متقطّع وليس دائم، لأن الرسم هو تعبير عن حالة جمالية، لذلك لا أرسم إلا في الحالات السعيدة، ولا اعتمد الرسم في حالات الاكتئاب كما يحدث مع بعض الفنانين الذين يجسّدون انفعالاتهم الحزينة في اللوحات".
وعن السوداوية في لوحاته قال: "في بعض الأحيان تظهر اللوحات انها سوداوية ولكنها تعبير مؤقت عن حالة مؤقتة وليست دائمة لمشاهد تنطبع في ذاكرتي من الواقع الذي يلفت الفنان، ومنها حركة الناس في الطرقات وانفعالاتهم وأشكالهم التي تترك أثراً عليّ، ولكن ليس لديّ رسائل موجّهة أخطّها في لوحاتي".
وأضاف: "لقد عملت في مختلف أنواع الرسم، ففي كل فترة اختار نوعاً محدداً، حيث أركز في الفترة الأخيرة على وجه الرجل بكل حالاته، بألمه وحزنه وإحباطه وشعوره بالقوة، فأنا أجسّد هذه الوجوه المتعددة، إضافة إلى الاستمرار في اللون الذي عرفت به، فما يميّز لوحاتي هو اشكال الأشخاص وقوفاً وخيالاتهم على الأرض، كما اعتمدت على اللونين الأسود والأبيض، فترة طويلة من الزمن، واستغرقت وقتاً كي تدخل الألوان إلى لوحاتي، فكان أمامي تجربة هامة أردت خوضها من خلال الاكتفاء باللونين الأبيض والأسود، ثم دخلت الألوان، وفي بعض الأحيان يقول البعض أنني بخيل في الألوان، ولكن عند استخدامها يظهر الكرم فيها".

الفن التشكيلي والتعبيري

وعن نوع الفن الذي يعتمده قال: "أركّز على الفن التشكيلي والتعبيري، الذي هو الفن الحديث، واستخدم الورق والقماش أيضاً، فضلاً عن الحبر الصيني والمواد المختلطة واستخدم ألوان الأكريليك بشكل أكبر، لأنني حاد وعصبي وهي تساعدني في التنفيس على الورق، وليس لديّ استعداد للانتظار لأوقات طويلة لإنهاء اللوحة، لذلك أنفّذ عدداً كبيراً من اللوحات في فترة قصيرة، ثم أتوقف بعد ذلك لفترة طويلة".
وعن مشاريعه المستقبلية قال: "حالياً أحضّر لمعرض جديد، ولكن لا يُخفى على أحد أن واقع البلد يؤثّر على كل ما عداه، فكما هو معروف أنه في أوقات الحروب فإن كل الفنون تتوقف ولا تعود إلا بعد عودة كل شيء، وللأسف في عالمنا الشرق أوسط الذي نعيش فيه، فإن الفن ليس في ثقافتنا، لذلك يحب الناس اللوحات التي تستخدم كزينة في المنازل، لكن اللوحات التشكيلية تأخذ منحى مختلفاً عن التجميل والتزيين، فهي تركّز على اختزال الشكل وعلى إظهار المشهد بعنف وقوة، فهي ليست صورة فوتوغرافية للواقع، بل هي أخذت من الواقع الذي تم اختزاله لذلك تجدها بعيدة عن الواقع".
وأضاف: "لم يكن في بالي أن أكون رساماً، ولكن بعد ذلك اتخذت هذا المنحى بتشجيع من الناس الذين لفتتهم لوحاتي، ولم أخذل الناس، والفنان طالما هو على قيد الحياة يزاول تجربته حتى تتنهي حياته، ونحن في ظل الواقع الذي يعيشه الناس لا يمكن مطالبة الدولة بدعم الفنانين، أما الناس فعليها عدم معاندة الفنان لتوجهاته وآرائه وإن اختلفت عنهم، وأيضاً عدم كره الفنان لأنه لا يتفق مع الآخرين في الخط السياسي، فمن المحزن أن يصبح الفن أداة للتعبير عن حزب ورأي سياسي، لأني كفنان لا أوجّه رسائل سياسية، بل تعتبر لوحاتي تجسيد لعلاقات الفنان الإنسانية ومحبته وكرهه لبعض الأمور، فيعبّر عن شعوره من خلال اللوحات".

لعودة الاستقرار والفن

وعن المطلوب لدعم الفنان قال: "المطلوب أن يعود الاستقرار والأمن إلى لبنان، كي يستطيع الفنان تنظيم المعارض، لأن أي حدث أو خلل أمني يجعل الناس تحجم عن المشاركة في المعارض أو حتى الخروج من منازلها، ورغم ذلك لا يزال الفنان يقاوم ليقول أنه يعمل في مجال الفن، وحين يصبح الفن جزءا من ثقافتنا يمكن أن يتبنّاه أحد، ولكن الفن مقتصر على مجموعة من الناس لم تعد موجودة، هي الطبقة الوسطى، التي كانت مثقفة وتهتم بالفن والأسعار في متناول يدها، ولكن اليوم المقتدر هو القادر على شراء اللوحات، ولكن يفضّل الغني القيام بأي شيء أخر عوضاً عن شراء اللوحات، فيمكن أن يشتري أي شيء ويستغني عنه لاحقاً، ولكن لا يشتري لوحة لفنان لبناني وجد في فترة استثنائية، ومن دون أن نشعر فإن الفنان يجسّد في لوحاته ما يختزنه من أحداث، فنحن جيل كانت مراهقتنا عبارة عن فترة حروب، ولم يكن الرسم والفن موجودان، فكنا دائماً نهرب من القذائف والحروب ونتنقل من مكان لآخر، واليوم فمن المعروف أن هناك عددا من المعارض تبيع اللوحات التي تشتريها من فنانين في أوروبا الشرقية بأسعار زهيدة، وتعاد بيعها بأسعار باهظة جداً، لأن همّهم العمل التجاري".
وختم قانصو: "لا توجد لوحة يحبها الفنان، ولكن يوجد لوحات يقوم بها ويشعر منذ الوهلة الأولى أنه يحبها، ومع الوقت يرى أنه كان يمكن إضافة شيء جديد عليها، لذلك هناك شعور دائم بضرورة مواصلة العمل والقيام برسومات جديدة، والقارئ دائماً يقرأ الأمور كما هي إن كان خبيراً في الفن، ولكن إن كان جديداً فسوف يقرأ اللوحة كما يراها من وجهة نظره، أو كما أوحت له انعكاساً مع شخصيته وحالته النفسية، فهي تخرج منه ذكريات ومشاهد حدثت معه يعمل على دمجها مع اللوحة، ودائماً يحرج الفنان الذي يرغب في إعطاء أجوبة دبلوماسية لا تحرج السائل عن مضامين وضعها في لوحته غير التي أرادها الفنان، فنحاول توجيهه ويمكن من خلال وضع العنوان توجيه المشاهد، ولكن لا أوضع عناوين للوحاتي كي أترك الانطباع للمشاهد، وإذا أعطت له اللوحة انطباعاً مختلفاً عما جسّدته، فهذا أيضاً شيء إيجابي طالما ارتاح المشاهد لهذه اللوحة".
تعبير عن الفن من وجهة نظر الرسام والقارئ للفنون، تُغني الفن التشكيلي بفلسفات متعدّدة، ولكنها في الوقت نفسه تبعث الأمل بغدٍ واعد، وإن كانت الصورة ضبابية.