لبنانيات >صيداويات
المفتي سوسان في ذكرى الهجرة النبوية: من حق المواطن اللبناني ومن حق ذوي الشهداء ان يعرفوا الحقيقة ولو كانت مرة
المفتي سوسان في ذكرى الهجرة النبوية: من حق المواطن اللبناني ومن حق ذوي الشهداء ان يعرفوا الحقيقة ولو كانت مرة ‎الأحد 8 08 2021 09:04
المفتي سوسان في ذكرى الهجرة النبوية: من حق المواطن اللبناني ومن حق ذوي الشهداء ان يعرفوا الحقيقة ولو كانت مرة

جنوبيات

وجه مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان كلمة في ذكرى الهجرة النبوية لعام 1443، جاء فيها:

"الحمد لله رب العالمين يكوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، وسخَّر الشمس والقمر كلٌّ يجري لأجَل مسمًّى،﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]. أحمده حمدا باقيا على مر السنين و الأعوام،و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

و بعد: ها نحن نودِّع عامًا، ونستقبل عامًا جديدًا من حياتنا، فطالما أن في العمر بقيَّة، وفي الحياة فسْحة، فهذه نعمةٌ أَنعَم اللهُ بها علينا،
 أيها الأخوة و الأحباب:

الهجرة من مكة إلى المدينة كانت حدثا تاريخيا مهما غير مجرى الدعوة الإسلامية، وفيه كثير من الأسرار الالهية والاعجاز الرباني الذي حير العقول والقلوب مما يشهد بقوة تحمل الرسول صلى الله عليه و سلم  وصدق الرسالة المحمدية وخلودها وعالميتها. 

هذا الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة، من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة النبويَّة، يقول الأستاذ أحمد حسن الزيَّات (في مجلته الرسالة ) حسبُنا مطلع العام الهجري موقظا للشعور وحافزا للهمم وهادياً إلى شرف الغاية. يستقبله المسلم الذاكر فتعاوده الذكرى التي تجدد دينه وتثبت يقينه وتقوم خُلقة ذكرى هجرة الرسول في سبيل الدين، وفي سبيل الحق! هجرةُ رسول الله قصيدة من قصائد البطولة القدسية لا يفتر عن إنشادها الدهر! استمدت وعيها من روح الله، ونسجها من خلق الرسول، وسيرها من صدق العرب! واستقرت في مجامع الأجيال مثلا مضروبا لقواد الإنسانية، تُلهمهم الصبر على مكاره الرأي، والاستمساك في مزالق الفتنه، والاستبسال في مواقف المحنة، والاستشهاد في سبيل المبادىء، والاعتقاد الصادق بفوز الفكرة.

بلَّغ الرسول ما أنزل إليه من ربه وقد تألبت عليه جهالة العصبية، وحماقة الشرك، وسفاهة الحسد، وعداوة المنافسة، وحرمان الفقر، وخذلان القلة، فما استكان ولا وهن؛ حتى جاء الأمر الإلهي فهاجر به تحت عين الله إلى طيبة!

 لقد صبَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أذى الكفار في مكَّة، وصابَرَ مُمْتثلاً أمر ربِّه حيث قال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]. 

يقول المرحوم الشيخ عبد الوهاب النجار: الهجرة المباركة كانت بعد الرسالة بثلاثة عشر عاما لم يعرف الزمان مثيلا لها من صراع الحق مع الباطل، فقد أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المدة وهو يجاهد من أجل إبلاغ دين الله سبحانه، فقد وقفت مكة بملئها وسفهائها في وجه نشر دعوته، ومنعته من الجهر بدينه أو أن ينير الدرب لقومه وعشيرته والناس جميعا.

امتحن صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالشدائد، مستهم البأساء والضرّاء والضيق والبلاء، وأوذوا في سبيل الله وظُلموا ظلما شديدا لا تتحمله الجبال الرواسي إلى أن أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة، فانطلقت ركائب المهاجرين مُلبِية نداء ربها مهاجرة بدينها مُخلفة وراءها ديارها وأموالها، وكل غال ونفيس.
الهجرة نقطة تحوّل في تاريخ الدعوة الإسلامية للحصول على الحرية الكاملة لعبادة الله وطاعته، والحفاظ على دين الله، وإيجاد بيئة خصبة تتقبّل دعوته صلى الله عليه وسلم وتستجيب لها وتذود عنها.

الهجرة كانت هجراً للظلم والفحش والطغيان وبداية إنطلاق في تاريخ الإسلام تقتضيه طبيعة النبوة والرسالة ونشر الدعوة لتوحيد الجزيرة العربية في أمة واحدة هي خير أمة أخرجت للناس.

الهجرة كانت البداية الحقيقية للدولة الإسلامية في موطن آمن تسود فيه القيم والمثل والأخلاق والأمن والإستقرار، ويكفل لهذه الدعوة حق الإنتشار وتحمي أتباعها وتؤمنُهم على دينهم وأنفسهم وأموالهم. 

من دروس الهجرة هو الجمع بين التوكل على الله تعالى حق التوكل، وبين الأخذ بجميع الأسباب، إذ كل النظم إما أن تعتمد على الأسباب الظاهرة فقط، كما هو الحال في الحضارة الغربية، أو أن تعتمد على الجانب الروحي فقط، أما الإسلام فهو توازن وترابط بين الأمرين، ففي حالة التوكل على الله تعالى كأنه ليس هناك من سبب يُعتَمَد عليه، وفي حال الأخذ بالأسباب كأن الأمر ليس فيه توكل على الله تعالى، ولما فقد المسلمون هذا التوازن لم يُوفقوا ولم يتحقق لهم ما يريده الله تعالى لهم من التقدم والقوة والحضارة.

الهجرة المباركة تعلّمنا أن الظلم والقهر والطغيان مهما اشتد وتماهى فإنه إلى إنتهاء واندحار، فلا يحلّ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يستسلم للباطل أو أن يدبّ اليأس والقنوط إلى نفسه. وإنما عليه أن يصبر ويُصابر وأن يأخذ بالأسباب المتاحة أمامه معتمداً في ذلك كله على ربه وخالقه لاجئاً إليه متوكلاً عليه مفوّضاً الأمور كلها إليه جلّ وعلا. فإن من توكل على الله كفاه، ومن لاذ به حماه، ومن استنصر به نصره ووقاه وإن خذله أهل الأرض أو كادوا به. 

أيها الأخوة و الأحباب:

صرخة الناس تعلو والشباب يسكنه اليأس والأحوال الاجتماعية والصحية والاقتصادية من سيء إلى أسوأ،المواطن المغلوب على امره الذي يكافح ليل نهارمن أجل الحياة ، و العيش بأمان و كرامة، أمام الأزمات الداخلية، وتفاقم الازمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تطحن المواطن طحنا. والتي بلغت حداً لا يطاق بفعل استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، وتفلُّت الأسواق وجشع التجار واستمرار التهريب و خلو الصيدليات من الدواء و خلو المستشفيات من الأطباء و الممرضين الذين هاجروا وطوابير الذل امام محطات الوقود وانقطاع مستمر في التيار الكهربائي واطفاء المولدات ومياه الشفه و النفايات المكدسة، وغيرها من الأمور الحياتية التي تتطلب من الدولة إيجاد حلول ناجعة لها، لكن الحقيقة المرة غياب شبه تام للدولة القوية الحازمة و العادلة، المواطن يطمح الى دولة القانون وهيبتها وتحقيق العدالة لأن قيام الدولة الحازمة العادلة،التي ترفض الانتقاص من استقلال وسيادة لبنان بحكم هذا الدور الوطني، والتي تسهر على تنفيذ اتفاق الطائف لا الطوائف  و صون الوحدة الوطنية، والاعتدال، وصون القوى الشرعية ورفض السلاح خارجها هي الدولة التي يطمح لها المواطن بكل اطيافه الطبقة الحاكمة و المستحكمة خذلت مواطينيها خذلاناً شديداً حين انغمسوا في الفساد و الإفساد،و لم يكونوا على مستوى المسؤلية و المرحلة، وعلى قدر تطلعات الشعب اللبناني بكل أطيافه.

فهل يجوز للعهد و الحكم أن يتمترس خلف مربعه السياسي و الطائفي ضاربا بعرض الحائط مصالح العباد و البلاد  و يحول دون تشكيل حكومة انقاذ بعيدا عن المحسوبية والاستنسابية و المحاحصة والاصطفافات، حكومة حقيقية على قياس الوطن المنكوب الذي و صل الى الإنهيارالكامل، حكومة قادرة على إيقاف هذا الانهيار وإعادة الإعمار، قبل الوصول الى الدرك الأسفل من جهنم.

ايها الأخوة و الأحباب:

 سنة سوداء مرت على الفاجعة الكبرى و الجريمة الإرهابية التي دمرت مرفأ بيروت و قتلت الأبرياء و جرحت آلاف المواطنين و دمرت البيوت و المؤسسات لتربوية و الصحية و احرقت مصدر ارزاق الناس، اليوم نسأل من جاء بالنيترات  و لحساب من تم تخزينها في العنبر رقم 12 ومن الذي فجر نصف بيروت في ذلك اليوم المشؤم.

من حق المواطن اللبناني و من حق ذوي الشهداء ان يعرفوا الحقيقة ولو كانت مرة  الشرفاء و العقلاء لن يرضوا بأقل من العدالة و رفع الحصانات و استقلالية القضاء لكشف الجناة و من ورائهم و الإقتصاص من المتورطين بادخال النيترات الى الأرض اللبنانية في أي موقع كانوا و لأي جهة انتموا فلا حصانة و لا حماية لفاسد و لا لمتورط تحميه من العدالة فإن افلت من عدالة الأرض لن يفلت من عدالة السماء.

أيها الأهل في مدينة صيدا،

أقول لكم ان صيدا الوفية الابية التي حرصت على ان تكون مدينة مفتوحة للجميع مدينة الخير والوفاء والوطنية والاباء..

تحرص على وحدة الصف والعيش المشترك... صيدا رفضت وما زالت ترفض كل الفتن المذهبية والطائفية وتحترم الانسان الى اي مذهب او طائفة او منطقة انتمي بدون تفريق او تمييز... صيدا وقفت وما زالت متمسكة بفلسطين القدس والعودة الى فلسطين...صيدا بتربيتها وثقافتها تقف مع كل مقاوم في وجه العدو الاسرائيلي الظالم الغاشم هذه هي صيدا مدينة البطولة والرجولة.

ايها الأخوة و الأحباب:

الهجرة النبوية حدث غير مجرى التأريخ حمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء والصبر والنصر والفداء والتوكل والقوة والاخاء والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الاعداء.

اللهم طهر بلادنا من فساد الفاسدين،و من تخريب المفسدين و اجعل خير اعمالنا خواتيمها، وخير اعمارنا اواخرها، وخير ايامنا يوم نلقاك، واغفر لنا يا ربنا كل الذنوب والخطايا والسيئات يا ارحم الراحمين.

وكل عام وانتم بخير".

المصدر : جنوبيات