بأقلامهم >بأقلامهم
أوقفوا التدمير الممنهج للقضاء
جنوبيات
نعم إنّه عنوان صادم لمقال يصدر عن قاضٍ عانى الكثير في حياته القضائيّة ويعرف الكثير الكثير، وما خفي كان أعظم.
لكنّي وعلى الرغم من معاناتي مع القلّة القليلة من القضاة الفاسدين الذين عاثوا في القضاء بأفعالهم وأقوالهم، يدعوني الإنصاف إلى قول كلمة الحقّ بأنّ هناك الكثير الكثير من القضاة الشرفاء، ومنهم الآن من يتولّى سدّة القضاء العدليّ عنيت بهم الرؤساء:
القاضي سهيل عبّود (رئيس مجلس القضاء الأعلى).
القاضي غسّان عويدات (النائب العامّ لدى محكمة التمييز).
القاضي بركان سعد (رئيس هيئة التفتيش القضائيّ).
وغيرهم الكثير من القضاة الشرفاء والمتميّزين علمًا وأخلاقًا وثقافة ووعيًا.
فالسؤال الذي يُطرح: لمصلحة مَن الحملة التي يقودها البعض بغية تدمير القضاء وتهميشه وتقويض أركانه؟
لمصلحة مَن الحملة المسيئة التي يتعرّض لها الأعضاء الحكميّون في مجلس القضاء الأعلى؟
ومَن وراء هذه الحملة المركّبة والمفبركة الآن؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، سأستعرض بلمحة موجزة مزايا البعض والمآخذ على البعض الآخر:
الرئيس سهيل عبّود: تزامن دخولنا إلى معهد القضاء، وكان مميّزًا في أخلاقه وتربيته وسلوكه الحسن، وها هو اليوم من خيرة قضاة لبنان علمًا وأخلاقًا وحكمة ودراية وإدارة قضائيّة بمستوى عالٍ.
القاضي غسّان عويدات: من خيرة قضاة لبنان الذين عرفهم قضاء التحقيق، وهو مُحنّك، ونبيه، ويقظ، يشعّ علمًا وثقافة وسرعة بديهة، ويتميّز بحسّه الأمنيّ.
القاضي بركان سعد: لا أبالغ إن قلت إنّه من أهمّ رؤساء محاكم الجنايات، ومحاكم التمييز الجزائيّة في لبنان، وأضيف أنّه من أهمّ مَن صاغ أحكامًا لدى المجلس العدليّ.
لا أقول هذا الكلام من باب المديح، فلستُ من أصحاب "المباخر" على الإطلاق، لكنّها كلمة حقّ تُقال.
وعلى المقلب الآخر، هناك الكثير مِن المآخذ على بعض القضاة، منهم من أخفق وتقاعس في مهامه، ومنهم من عاث فسادًا في عدّة ملفّات، ومنهم من تلطّى بغطاء سياسيّ تحت عنوان: "أمرك سيّدي".
ومنهم من دخل القضاء بخفَّي حُنَين وخرج بمال قارون.
ومنهم من حار الرتّا في ترقيع ملابسه وخرج بلباس الأباطرة.
ومنهم من كان يعمل بمهنة أو حرفة بسيطة وخرج بعقارات وأموال طائلة حتّى صار من أصحاب الأسهم في المصارف.
ومنهم من أقام الأفراح الأسطوريّة لأولاده.
ومنهم من قاد أحدث السيّارات الفخمة.
ومنهم من أعطى الغطاء للصيارفة بأن يعيثوا فسادًا في الأرض ليدمّروا الاقتصاد الوطنيّ.
ومنهم من جعل العتمة تأكل أيّامنا تحت ستار التحقيقات الشفّافة.
ومنهم من امتهن تركيب الملفّات وفبركة الحكايات.
ومنهم من ضرب بعرض الحائط الأصول القانونيّة، واستباح الدستور وكلّ القوانين الإلزاميّة.
قد يستغرب البعض ويقول إنّ هؤلاء الفاسدين كُثر. وأستعجل لأقول: لا، هم ليسوا بكُثر ولكنّهم يمسكون بمفاصل القضاء.
وألفت النظر إلى مسألة مهمّة وهي أنّ بعض الشخصيّات القضائيّة الفاسدة عندما سُئلت عن أموالها الطائلة وقصورها العامرة أجابت:
إنّ أخي يملك المال.
إنّ زوجتي ورثت المال.
إنّ عائلتي من أصحاب الأموال.
لقد عثرتُ على كنز في باطن الأرض.
لقد قامرتُ ولعبتُ الميسر فربحتُ المال.
أمام هذا نقول: إنّ القلّة المنحرفة من القضاة جعلت بعض الساسة يرسمون السياج الحديديّ لحمايتهم من المساءلة. لذا، فهم وراء الحملة المبرمجة والممنهجة لتقويض الصرح القضائيّ وتدميره رويدًا رويدًا.
وعليه أدعو الشرفاء من القضاة وعلى رأسهم مجلس القضاء الأعلى لليقظة الكلّيّة والانتباه لما يُحاك لهم في ظلمة ليل بهيم أليل، بغية النيل من كيان الدولة ككلّ. فدولة بلا قضاء عادل لا يمكن أن تستمرّ في مسيرة حياة الوطن.
وأدعوهم لفتح ملفّات القضاة الفاسدين لسؤالهم: من أين لكم هذا يا قضاة الصدفة المريبة؟
فالحساب يجيب على الكثير من التساؤلات. ووضع القاضي المناسب في المكان المناسب يحلّ الكثير من المسائل الشائكة. والتنويه بالقضاة الشرفاء يعطي الحافز للمزيد من الجهد لتحقيق العدالة المثلى.
وأخيرًا وليس آخرًا، أدعو نادي القضاة الذي يضمّ النخبة الفضلى من القضاة الشرفاء والمتميّزين علمًا وأخلاقًا وثقافة ووعيًا قانونيًّا أن يكونوا سعاةً للخير بتنسيقهم الراقي مع السلطة القضائيّة للنهوض من كبوتها ومواجهة ما يُحضّر لها في الخفاء.
فبالاتّحاد قوّة، وبالتضامن والوعي العميق يكمن النجاح في بناء سلطة القانون لكفالة سيادة المجتمع تحت ستار العدل أساس الملك.