مقالات مختارة >مقالات مختارة
المعركة مستمرة ضد منظومة الفساد
السبت 16 07 2022 10:15بشارة مرهج
تتخبط الحكومة في مواقفها تجاه خطة التعافي الاقتصادي ومندرجاتها إذ تأتي كل فترة بأفكار مختلفة دون أن يستقر لها رأي يستطيع المرء الركون إليه أو مناقشتها فيه .
ويظن البعض أن ذلك محض صدفة لأن الحكومة تبحث عن الحل الأفضل للبدء في عملية الخروج من الأزمة التي شلّت الاقتصاد الوطني وأفقرت المواطن ودمرت المؤسسات ولوثت سمعة لبنان في المشارق والمغارب . ولكن من يدقق في الأمر يكتشف أن الحكومة تضمر ما لا تعلن ، إذ لديها تحت الطاولة خطة واضحة تعمل على تنفيذها بهدوء وحذاقة في الوقت الذي توحي فيه للملاء انها تبذل جهوداً استثنائية للتوصل إلى صيغة تؤدي الغرض وتكون مقبولة من الجميع . وجوهر هذه الخطة ترك الأمور على غاربها والاستهتار بمصلحة اللبنانيين إلا من أكتنز منهم المال والنفوذ ، فهؤلاء تتقدم مصالحهم على مصالح اللبنانيين . وبموجب هذه الخطة يُفترض بالاقتصاد أن يصحح نفسه بنفسه وأن دفع الشعب الثمن غالياً.
والتصحيح هنا، على عكس ما هو متعارف عليه، يعني رعاية التضخم ورفع الأسعار وزيادة الرسوم والضرائب دون الاكتراث بما يمكن أن يتراكم على كاهل الشعب من مصائب ، وقد بدأ هذا الشعب يفقد الخبز وسلعاً أساسية من الأسواق المحكومة بالفساد والتهريب والتزوير.
وتزيد المنظومة الحاكمة بؤس اللبنانيين وضياعهم من خلال إهمالها لواجباتها في انجاز معاملات المواطنين وعرقلة التدقيق المحاسبي الجنائي الذي يكشف الحقائق ويميز بين التاجر والفاجر ويفصل بين البريء والمسيء.
وتستمر مسيرة التضليل في الإيحاء بعزم المنظومة على إصدار قوانين جديدة (الكابيتال كونترول، السرية المصرفية، الموازنة، توحيد سعر الصرف) فتبقى هذه القوانين مشاريعاً حبيسة الأدراج رغم أهميتها القصوى في معالجة الأوضاع. وتستشري المراوغة الموصوفة في "معالجة " الوضع النقدي، وتعدد سعر الصرف ، واستمرار حاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف في التهرب من مسؤولياتهم ، وبرفضهم إعادة أي مبالغ هدرت من قبلهم أو أي تصحيح لا يصدر عنهم وكأن البلاد دورها الانصياع لسلطة رأس المال وأخطائه ونزواته التي يتحدث عنها القريب والبعيد في أجهزة الإعلام أو في مكاتب النيابات العامة على المدى الأوروبي دون أن يتحرك القضاء اللبناني المعطل إلا في حدود ضيقة تسمع للملاحقين أن يعرقلوا مسيرة العدالة ويقتلوا كل أمل في تحريك الاقتصاد أو إنعاش الآمال بالغد وكلها شروط لا غنى لها للبدء في عملية الخروج من الأزمة . وإذ يمعن هؤلاء في أدوارهم السلبية المدمرة تزداد الأوضاع العامة تدهوراً ويدب الاحتقان في الشارع دون أن يتردد هؤلاء من تجريد الأسلحة التقليدية بوجه المعترض ، ثم يتقاذفون الاتهامات مع السلطات الأخرى لتغييب المسؤولية ، ويلجأوون إلى إغراق السوق بالشائعات المغرضة عبر أعوانهم الكثر في المجال الإعلامي ، حتى إذا دعا الداعي لجأوا إلى السلاح الطائفي والمذهبي لتفتيت الشارع وتعطيله وتشويه قضاياه بالمزايدات والاتهامات وصولاً إلى اغراق المعترضين أنفسهم في بحر متلاطم من الأضاليل والشائعات تعيد الأمور إلى المربع الأول .
وأغرب سلاح تستخدمه المنظومة ادعاؤها التمييز بين أركان النظام وجمعية المصارف وحاكمية البنك المركزي مع العلم أنهم جسم واحد وحالة واحدة ولا ينقسمون على بعضهم إلا لتشويه الحقائق وخداع الناس . فبعد ثلاثة أعوام على اندلاع الأزمة لا أحد حتى الآن يعرف كيف ستتصرف الحكومة تجاه القضايا النقدية والمالية ، ولا أحد يعرف نيتها الحقيقية تجاه الإصلاحات البنيوية التي تفرض نفسها على الساحة قبل أن يطالب بها صندوق النقد الدولي .
المنظومة الحاكمة في حالة شلل كامل لا تعرف ماذا تفعل وإذا عرفت فهي عاجزة عن المبادرة . وهذا هو بيت القصيد فكأن المطلوب من الحكومة ، أي حكومة ، تقطيع الوقت وتعويد اللبنانيين على التأقلم مع عمليات الانهيار وارتفاع الأسعار ليتم المكتوب مع تفادي أثاره ذاتياً في الغرف السرية التي عملت للانهيار .
أن أزمة لبنان الحقيقية لا تكمن في الانهيار وحده وإنما في تسلط منظومة فاسدة على كل مفاصل القرار لها مدرستها البائسة في التصحيح، ترفض الإصلاح ، ولا تؤمن بالتغيير ، ولا تخطط لأي خروج من المستنقع الذي أغرقت البلاد فيه . لكل ذلك لا قيامة للبنان بدون مقاومة هذه المنظومة وكشف مراميها وإحباط خططها وتعرية ثقافتها وإسقاط سلطتها في عملية شعبية نضالية لا تعرف التهاون أو التراجع حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتبدأ عملية الترميم والبناء والتصحيح من الأساس.