عام >عام
أبوغزاله: "لا يوجد ما يكافئ أهمية بناء القدرات البشرية، وزيادة مخزونها المعرفي"
"صديقُكَ مَنْ صَدَقك"
السبت 27 08 2022 16:07جنوبيات
العالم يشهد أزمة طاقة بعد أزمة الكورونا فكيف ترى الحرب الروسية الأوكرانية؟ وماهي تداعياتها على الاقتصاد العالمي؟
إنّنا نمر بمرحلة فريدة من نوعها في تاريخ البشرية..
وأعلم أن الحياة البشرية متشابهة ولكن لم يكن في تاريخ البشرية يوم جاءت في مرحلة ليس فيها حاكم للعالم ولا نظام يديره.. ولكن، بإمكانك الاستفادة من الحرب، فهذا ليس انتهازًا للفرص، بل حكمة!
فلما أصبح للعالم قيادتان من الاتحاد السوفيتي وأمريكا، لم يعد لأمريكا أي سلطة على الصين مثلًا ولا على روسيا والعكس صحيح، فقد أصبحت المنظمات الدّولية مصابة بالشلل، ومنها مجلس الأمن الذي من واجبه حفظ الأمن في العالم!
ودعنا لا ننسى أغنياء الحرب في تاريخ البشرية فهنالك من يَغنى ويحقق النجاح وآخر يفشل ويندثر أي أن قرارنا في أيدينا.. والمشكلة أننا ننتظر ماذا سيحدث حتى نقرّر (ماذا نفعل).
وإن أولى مسؤوليات حكومات الدول الحفاظ على الأمن الغذائي والأمن الصحي وتقنية المعلومات والإبداع الرقمي؛ وذلك بوضع خطة لحمايتهم، مع العلم بأنه لا يشترط تأمين جميع المأكولات في الدنيا بل تأمين الأساسيات وذلك لاستطاعة الجميع حتى البلد الفقير أن يؤمن كل ما هو أساسيّ لشعبه.
ولكن ثمّة ما ستجرّه الحرب الرّوسيّة الأوكرانية: أعني ستجرّ حربًا عالمية ثالثة!
ولا بد من وضع قواعد جديدة بديلة للنظام العالمي القائم "العاجز"؛ فلم تعد أمريكا قائدة للعالم كما كان، بل ينافسانها (الصين وروسيا) وإن الصّراعات العالمية يمكنها أن تكون مفيدة من هذه الناحية، وإن على دول المنطقة العربية أن تعمل على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الأحداث؛ لاستعادة التّمركز في النّظام العالميّ الجديد المتوقّع.
ومن جهة أخرى يدخل العالم اليوم في أزمات متتالية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وسيدخل مرحلة ما يعرف بـ Stagflation أي (Stagnation & Inflation) وهو "مزيج يترافق فيه الكساد في النّشاط التّجاريّ، إلى جانب غلاء الأسعار.. رغم توفّر البضائع"، ومن الحِكمة الجاهزيّة للتّعامل مع أي إعصار! ومن الحكمة أن نقلق على التّغيّر الذي سيصيبنا، وأثره على مستقبلنا، وإن قلقنا هذا ليس تشاؤمًا، بل هو من التخطيط، وعلينا أن نُعدّ العُدّة؛ لمواجهة ما قد يأتي من أزمات "الطاقة واحدة منها".
ولا نُسيء الظنّ بقدراتنا، ولا بمُفكّرينا..
وأخيرًا.. من الواجب أمران:
ألا يكون حديثنا مُنصبًّا على إحباط المواطنين، وتطبيق (الحِمَائِيّة) وفق المؤشّرات العامّة والمعايير الدّوليّة.
هل تعتقد أن كورونا فيروس مفتعل؟
إنّها فكرة المؤامرة.. تعود من جديد! ففي أي أزمات في العالم يميل الناس إلى فكرة المؤامرة..
ففي حالة وباء الكورونا مال الناس إلى أكثر من ذلك.. فالكورونا كانت مؤامرة في استغلالها وليس في إنشائها، حيث جاءت الجائحة فرصة ذهبيّة تاريخيّة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكيّ الذي كان يعاني، فأرسلت أمريكا شيكات للمواطنين، وهذه كانت أول مرّة في التّاريخ! بحجة المساعدة على العيش.
وحلّت حكومة أمريكا أزمة السّيولة، ولكنها ارتكبت جملة من الأخطاء تجاه اقتصادها، ولم يخطّط لمواجهة الكورونا بالشّكل الصحيح، وقالوا إن هذه فترة يجب أن نستفيد منها، فالأساليب العلاجية والدوائية للكورونا أضافت للنّاتج القومي الأمريكي 12%، ثم ألقى (بايدن) كلمة قال فيها: إنّ عمّالنا في مصانع الأدوية يعملون ليل نهار لخدمة البشريّة، ومن خلال ذلك استوعب كلّ البطالة في مصانع الأدوية واللقاحات، حيث انخفضت نسبتها بشدّة جرّاء هذه الأزمة، وفرضوا نفوذهم على الدّول لتسويق الأدوية واللقاحات، واستفادت من هذه المرحلة. والسؤال الآن: لماذا توقّف الحديث عن الكورونا؟ لأنه تبيّن لكلّ دول العالم أن باستطاعتها إنتاج اللقاح دون الاعتماد على لقاحات دول بعينها، وأصبح هناك نحو 9 دول تنتج اللقاحات.
أما دروس أزمة كورونا..
إنني أهاجَم بشدّة من الإعلام؛ ذلك أنني دائمًا ما أقول إن القضية ليست أبدًا مَرَضًا يُقاوم، فالرّئيس الصيني في بداية الأزمة خرج ليقول: إننا لسنا فقط مسؤولين عن أرواح الناس، ولكننا أيضا مسؤولون عن أرزاقهم ومستقبلهم..
فالصين ومنذ بدء الأزمة وهي تفكر وتخطط لدعم الاقتصاد، ففي ظل الأزمة لم تعط أموالا بل قدّمت دعمًا للتّصدير، فكان كلّ من يقوم بالتّصدير يحصل على مال مقابل نشاطه ذلك، وما بين التخطيط وعدمه في الحالتين الصينية والأمريكية نجد أن الاقتصاد الأمريكي يعاني الآن الانهيار بعدما ازدهر في أثناء الكورونا، بينما الصّين تسير في خط مستمر في دعم اقتصادها، والدّرس هنا هو أنه يجب دائمًا أن تضع أمام عينيك عدّة اعتبارات أخرى أهمها النظر إلى المستقبل وليس الاستسلام إلى المرض وتداعياته.
وأخيرًا.. إن كان الأمر كذلك، فقد استثمر لغايات أخرى، ولكنه فيروس حقيقي، وعلينا مواجهته، ومحاربته.
هل تعلمت البشرية برأيك من جائحة كورونا؟
انقسم العالم حول هذا الموضوع إلى قسمين..
الأول: كما قال الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في أزمة الكورونا وهي في عز نموها في الصين عندما كانت في أعلى أوجها (اجتهاد شخصي) عندما خاطب الشعب الصيني وقال: "الأرواح غالية وعزيزة ولكن مستقبل الصين غالي وعزيز أيضًا، لن نسمح لهذا المرض أن يقتل مستقبلنا، ويجب أن نستمر في حياتنا كما هي، وفي الوقت الذي سنعالج فيه الآثار الطبية والحياتية، فهذا البلد نموه وتطوره ومستقبله هو المطلوب أكثر من إنقاذ الأرواح؛ لأننا بهذا العمل نكون أنقذنا أرواح المليارات من البشر في المستقبل".
أما القسم الثاني من البشر والدول فقد قررت الإغلاق على نفسها وقطع جميع سبل التواصل مع العالم الخارجي وبدأت باتخاذ إجراءات احترازية، وفي نظري أنها لم تكن فعّالة ولا مجدية؛ لأنني قلت ومنذ بداية الأزمة إن هذا الوباء سيستمر معنا على الأقل خمس سنوات وأن علينا أن نتعايش مع هذا المرض وليس أن نختبئ منه.
المثال على ذلك أمريكا وأنا أتألم لأن أمريكا محول مهم وأساسي في اقتصاد العالم فكما نقول: "عندما تعطس أمريكا العالم يصاب بالإنفلونزا" فأمريكا أثرها عظيم.
وأخيرا.. إن مما أتأسف عليه في دولنا العربية أننا في الوقت الذي نقوم به بجانب مهم وهو معالجة آثار هذا المرض صحيًا وطبيًا وحياتيًا.. ما قلقنا على الجانب الاقتصادي.
والقلق الإيجابي مهم؛ فيجب علينا القلق حول كيفية المحافظة على النمو الاقتصادي؛ لأن هذا أهم لأينائنا ومستقبلهم.
ماهي التداعيات التي تسببت فيها الجائحة؟
التداعيات كثيرة.. وأهمها أمران:
الأول: العجز في الاقتصادات المحلية وبالتالي العالمية؛ لأن الاقتصاد هو العمود الفقري الذي تستند عليه كل دول العالم، إضافة إلى بيو مقومات التنمية في أي دولة من زراعة وصناعة وزيادة في معارف مواطنيها، خاصة المعرف الرقمية التي تخدم التحولات الرقمية "تلك التي يتوجه إليها العالم مجبرا لا مختارا" مما ينعكس إيجابًا على تقدمها وتطورها.
والثاني: الانفرادية التي عاشها العام تحت شعار "أنا أولا"، و"بلدي أولا"، فقد نسي البعض بأن ما يجري على دولة تصاب به أخرى، وهذا نتيجة لضعف النظام العالمي، وعدم قيام الأمم المتحدة بواجبها.
وأخيرًا.. علينا أن نتعلم مما مرّ علينا في الجائحة، وأن نكون على استعداد دائمًا.
لطالما حذرت الشعوب ودعوتها الى الاستثمار في الانسان، كيف ترى التفاعل مع دعوتك؟
التّفاعل بطيء.. وخصوصًا في الدول العربية التي لا أرى فيها أيّ تفاعل جاد حول موضوع استثمار الإنسان، للأسف!
وما نسب البطالة عنّا ببعيدة!
بل ما أراه أن نسبة البطالة في الوطن العربي في ارتفاع مستمر.
وهنا تجدر الإشادة ببعض الدول العربية، ومنها مصر؛ إذ حافظت خلال أزمة كورونا على تفكيرها الإستراتيجي الطويل، ورأينا بعض الدول العربية التي منحت شعوبها المال على حساب مستقبلها، ففي تلك الأزمة هناك من ركّز على الحاضر وترك المستقبل، وهناك من اهتم بالمستقبل على حساب الحاضر، وهناك من جمع بين الاثنين الحاضر والمستقبل.
ولقد فرضت علينا الأزمات ومنها الكورونا الاعتماد كليًّا على التكنولوجيا..
ومنها التّعرّف إلى حاجاتنا من "إنترنت الأشياء"، مع أن النّاس يتخوّفون أكثر من مردودات التّكنولوجيا على البشر! بسبب اعتمادهم عليها من أن تنقرض (أعمال البشر) بسبب احتلال الروبوتات لها!
وهذا الكلام غير صحيح..
فلن يحلّ الروبوت محلّ الإنسان في كلّ شيء، والبحث الآن قائم في كبرى جامعات العالم على كيفية منع الروبوتات من السيطرة على العالم، فالتّطوّرات التكنولوجية القادمة ستكون أكثر بكثير مما نراه أو نقرأ عنه، فإنترنت الأشياء تعني أنّ كلّ شيء سيستخدم الإنترنت: السيارة والمنزل والطريق والمدينة بكل موجوداتها.
وأخيرًا... أريد أن أطمئن الجميع بأنّ "تاريخنا مع الصناعات" كان قائمًا على التّخوّف من المستقبل، فحين اختُرعت السّيارة تردّد – وقتها - أنها صنعت من أجل دهس النّاس!
وثمّة منطق وحلول لكلّ ما يخيفني أو يخيفك.
ماهي من وجهة نظرك أفضل السبل للخروج من الأزمة الاقتصادية في لبنان؟
أولًا: بالنسبة للبنان فله مكانة خاصة في قلبي.. جئته لاجئًا، وتخرجت منه وبدأت حياتي العملية.. إن فضل لبنان عليّ لا أنساه ما حييت.
ثانيّا: مشكلة لبنان البلد الحبيب والعزيز أنها فقدت البوصلة.. إنها سمعة بلد وإنه مستقبل بلد..
ومع الأسف كلّ ما يتم بحثه وكل ما يدار من نقاش في السّاحة الاقتصادية لا أصل له!
أقول هذا من منطلق أننا نعمل في أكثر من مئة مكتب في العالم، ولنا نشاطاتنا وودائعنا في كل العالم، لم نر في يوم من الأيام مشروعًا يقول إن للدولة الحق أن تقتطع ما سمي دلعًا (Hair cut) والناس فرحين بهذا المصطلح.. بل أنا من يقرر (Hair cut) كيف سأقص شعري فأنت حرّ في قصّ شعرك ولكنك لا تستطيع أن تقصّ شعري أنا.
وبصفتي رئيسًا فخريًا على مجلس رجال أعمال لبنان، فإنه عليكم أنتم يا رجال أعمال لبنان أن تتقدموا بحلول واقتراحات عملية لصانعي القرار؛ لإنقاذ لبنان.
لبنان فيه قدرات وفيه عقول وإمكانيات وفرص كثيرة، وكبيرة وفرص رائعة، فلا يجوز أن ننتظر اتفاقًا مع صندوق النقد أو البنك الدولي أو منحًا من أي مكان في الاتحاد الأوروبي كي ننهض.
لبنان بلد عظيم، فيه رجالات عظام؛ ومن مسؤوليتنا أن نأخذ أقدارنا بأيدينا. ويجب الانتقال من النظرة الآنية إلى ما يفيد في مستقبل هذا البلد.
يجب أن نأخذ مستقبلنا وقرارنا بيدنا.. ولا نبقى نستجدي القروض والمساعدات، ولا أن نطلب من الدول والمنظمات الأخرى.
وأخيرًا.. فيما يتعلق بطريقة الإدارة للأزمة والوصول فيها إلى نتائج..
فأنا غير متفائل لأنه طالما أصبح القرار يُتخذ من عدة فرقاء، وهذا مشكلة؛ لأنه ليس هنالك دولة يوجد بها فرقاء سواء أكانت سياسية أو حزبية، فالدولة دولة، وإذا ما سألتني: "سمّ لي دولة في الدنيا يتم الحكم فيها عن طريق الفرقاء؟" الجواب: ليس هنالك أي دولة، لذلك يجب أن نكون صادقين لأن "صديقك من صدقك".
ماهي قراءتك لملف الغاز في شرق المتوسط؟
عند الحديث عن هذا الملف يتبادر إلى ذهني جمهورية مصر العربية؛ فقد حققت مصر الكثير خلال عام واحد من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي والمتمثل فى عودة دورها الرّياديّ محليًّا وعالميًّا.
واستعادت دول الغاز في شرق المتوسط مكانتها على خارطة الغاز العالمية، واستعادت مصر عافيتها الاقتصادية، وأنجزت مشاريع ذات صلة، ومشاريع أخرى منها إتمامها لمشروع قناة السويس الجديدة خلال عام واحد، واكتمل إعلان اكتشاف أضخم حقل للغاز الطبيعى فى البحر المتوسط والذي يضع مصر فى المركز العشرين على مستوى العالم.
وأخيرًا... سيتحكم "غاز الشرق الأوسط" بالتنمية عند العرب..
وسيضع دول الشرق الوسط على خارطة (الغاز العالمية)، وسيمهد لتنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى في الدول العربية، مثل مشروع العواصم الجديدة والمدن الذكية الجديدة وما إلى ذلك.
هل تتوقع تطورات في هذا الملف؟
نعم، فسنوات قليلة تفصل مصر – مثلا – عن الاستغناء عن المعونات الخارجية..
وقد أتمت مشروعات صناعية وتجارية وسياحية ومراكز لوجتسية للغلال والحبوب وأنشأت منطقة صناعية تخدم محافظات ثلاث.
وإضافة إلى حديثنا عن الغاز واكتشاف كمياته، فإننا نتحدث عن توفير الطاقة والموارد المالية الكبيرة، والاستثمار في المزيد من لوازم التنمية المستدامة.
وأخيرا.. فلا ما يكافئ أهمية بناء القدرات البشرية، وزيادة مخزونها المعرفي..
وإنني إذ أتوقع مردودًا اقتصاديًّا أكبر، يجعل أي دولة عربية مصر أو غيرها دولة ذات ملاءة مالية تستطيع تغطية العجز فى الموازنة العامة للدولة وزيادة الناتج القومى بصورة كبيرة، فإنني أراها تستغني عن أي معونات أو مساعدات خارجية؛ وعينها أن تصبح كما مصر على وجه الخصوص عام 2030 من الدول العشرين الأكبر اقتصادًا على مستوى العالم.