مقالات مختارة >مقالات مختارة
6 سنوات من عهد عون مرّت ولبنان يتراجع.. فمن المسؤول الحقيقي؟
الأحد 30 10 2022 08:49جورج عون
بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي في لبنان، انتخب المجلس النيابي في 31 تشرين الأول عام 2016 العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد توافق سياسي مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية، وبفضل الدعم المطلق من حزب الله، ليدخل مجدداً الى قصر بعبدا، هذه المرة رئيساً للبلاد، بعدما كان غادره في 13 تشرين الأول عام 1990 رئيساً للحكومة العسكرية التي شكلها الرئيس السابق أمين الجميل في الربع ساعة الأخير من ولايته عام 1988.
شهد عهد الرئيس عون الكثير من المطبات والخلافات والأحداث التي ستدخل بالطبع تاريخ لبنان الحديث، وأبرزها انفجار مرفأ بيروت واندلاع ثورة 17 تشرين، والانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي المخيف.
فمع انطلاق عهد الرئيس الجديد في بداية تشرين الثاني عام 2016، وبسبب التوافق السياسي، انتظمت المالية العامة مجدداً، من خلال إقرار الموازنة لأول مرة منذ 12 سنة، كان خلالها الصرف يتم عبر قاعدة الاثني عشر.
كما تم إقرار قانون انتخابي جديد، نجح بنسبة جيدة في تحسين صورة التمثيل الحقيقي للبنانيين في المجلس النيابي، بعدما كان القانون السابق يسيطر عليه أسلوب "المحادل الانتخابية".
لكن الوضع الجيد لم يدم طويلاً، والانهيار بدأ لحظة إقرار سلسلة الرتب والرواتب الجديدة، التي تم تصويرها وكأنها عملية إنقاذ للموظفين، إلا أن الحقيقة أظهرت لاحقاً أنها السبب الرئيسي لانهيار مالية الدولة.
وكان العام 2017 مليئاً بالأحداث، إذ شهد إقرار الموازنة في شهر نيسان، والقانون الانتخابي الجديد في حزيران، وعملية فجر الجرود في شهر آب التي أطلقها الجيش اللبناني ضد "داعش" و"النصرة" في البقاع الشمالي، وإقرار تراخيص التنقيب عن النفط في المساحات البحرية، والتي منحت الى شركات "توتال" الفرنسية و"ايني" الايطالية و"نوفاتيك" الروسية.
أما أبرز أحداث العام 2017، فكان احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية، حيث أعلن في 4 تشرين الثاني استقالته من منصبه، ليتدخل لبنان الرسمي، وخصوصاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمطالبة بعودة الرئيس الحريري الى لبنان، وبالتالي عدم قبول استقالته.
وفي 21 تشرين الثاني عاد الحريري الى بيروت رئيساً للحكومة، فيما اعتبرت استقالته التي أعلنها من السعودية لاغية لأنها جاءت تحت الضغط.
وفي العام 2018، أجريت الانتخابات النيابية بعد تأجيلها مرتين منذ عام 2013، وشهد المجلس النيابي دخول تكتلات سياسية جديدة، أبرزها القوات اللبنانية التي عادت بقوة الى الساحة المسيحية، فيما زاد القانون الجديد من حصة التيار الوطني الحر في المجلس.
وفي العام 2019، اندلعت احتجاجات كبيرة في 17 تشرين الأول، رداً على ضريبة "الواتساب"، لتتحول لاحقاً الى ثورة شعبية ناقمة على الوضع السيىء في البلد، مطالبة بتغيير النظام وضرب الفساد والرشوة وتطبيق القانون على الجميع.
وكانت ثمرة هذه الثورة استقالة الحريري من منصبه، رغم أن حكومته اتخذت إجراءات لإرضاء المتظاهرين، ومنها التراجع عن ضريبة الواتساب الشهيرة.
وفي 4 آب عام 2020، حصلت كارثة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ لبنان، عندما انفجرت كمية كبيرة من مادة نيترات الأمونيوم الموجودة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، أدت إلى تدمير منشآت المرفأ والمناطق المجاورة، وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، وجرح نحو ستة آلاف، الأمر الذي أدى الى ارتفاع صرخة "الثوار" الذين طالبوا باستقالة الرؤساء الثلاثة وتغيير النظام.
وبعد ذلك حصل الانهيار المالي الكبير، وبدت الدولة عاجزة حتى عن دفع الرواتب، وقد زاد الطين بلة دخول عامل فيروس كورونا على الخط، ما أدى إلى إقفال البلد، وفرض حظر على على العمال والموظفين الذين انتقلوا الى العمل من المنزل بسبب إجراءات كورونا.
وهنا بدأ الدولار الأميركي يرتفع تدريجياً ليتجاوز منذ ايام حاجز الـ 40 ألف ليرة، قبل أن يتراجع الى نحو 36 ألفاً، وهذا ما أدى الى ارتفاع جنوني في اسعار المواد الغذائية والنفطية حتى وصلت إلى أرقام قياسية تاريخية.
لكن عهد الرئيس عون رفض في النهاية ألا ينتهي إلا بإنجاز، وكان هذا الإنجاز هو الموافقة على توقيع الرسالة الأميركية الرسمية حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ما سيسمح للبنان باستغلال مساحاته الاقتصادية في البحر، لاستخراج النفط والغاز، وهذا ما سيؤدي بالطبع الى تحسن الوضعين المالي والاقتصادي في البلد.
بشكل عام، شهد عهد الرئيس عون، تشكيل 4 حكومات، إثنتان برئاسة سعد الحريري، والثالثة برئاسة حسان دياب، والرابعة وهي الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي. كما شهد العهد حالتي اعتذار عن التشكيل كان بطلهما سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري الذي امتدت فترة تكليفه لنحو تسعة أشهر قبل أن يقدم اعتذاره عن التكليف للرئيس عون في قصر بعبدا.
ويبقى السؤال بعد هذه السنوات الست، من هو المسؤول الحقيقي عن تراجع لبنان اقتصاديا ومالياً واجتماعياً؟.. لا شك أن التاريخ سيحكم.
أبرز مواقف الرئيس عون
طوال عهده، أطلق الرئيس عون سلسلة من المواقف، التي بدأها في خطاب القسم الذي ألقاه بعيد انتخابه في المجلس النيابي، لكن أبرزها بلا شك كانت كلمته في الأمم المتحدة التي دافع فيها عن المقاومة وطالب بحل أزمة اللاجئين والنازحين في لبنان، رافضاً دمجهم في المجتمع اللبناني او توطينهم في لبنان، ما أثار اعتراض المجتمع الدولي، وخصوصاً أميركا.
كما أن كلمته الشهيرة خلال أحد الافطارات الرسمية أمام الرؤساء والوزراء والنواب ورجال الدين، شكل نقطة تحول في زيادة خلافه مع الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ أوائل التسعينات، حيث طالب بمحاربة الفساد والرشوة وبالانتقال الى الدولة المدنية الحديثة.
وفضلاً عن التصاريح الإعلامية الكثيرة، وأبرزها خلال ثورة 17 تشرين، والتي لم يتقبلها "الثوار" مطلقاً، وقد زادت من انتقاداتهم له، أثار انتظار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والوفد المرافق واقفاً في بهو غرفة الاستقبال لدقائق لمقابلة الرئيس عون، جدلاً واسعاً، وقد اعتبرت الحادثة خطأ بروتوكولياً.
كما شهد عهد الرئيس عون خلافات مع الدول الخليجية بسبب تصريحات الوزيرين شربل وهبي وجورج قرداحي، الأمر الذي أدى الى استقالة الوزيرين في فترتين متباعدتين، علماً أن وهبي كان يخص الرئيس عون في الحكومة، بينما قرداحي تمت تسميته من قبل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
لكن في نهاية عهده، يبدو أن الرئيس عون "بق البحصة" نهائياً، عندما كشف أن رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما لا يريد أي قانون فإنه يطلب ارساله الى وزارة المالية، وهناك يتم توقيفه، كما هدد بإصدار مرسوم استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وقبل ايام من نهاية عهده، استضاف الرئيس عون الصحافيين في قصر بعبدا، وقال أمامهم: "لقد أمضيت كل حياتي مدافعاً عن لبنان، ولا شيىء سيمنعني من إكمال المسيرة".
وعن ملف ترسيم الحدود البحرية، قال: "إسرائيل اعتادت أن تأخذ من العرب، إنما هذه المرة نحن الذين أخذنا منها".