بأقلامهم >بأقلامهم
"القاضي المثقّف وداعًا"!



جنوبيات
غادرنا، بهدوء وسكينة، من أيّامٍ خلت القاضي ألبير قيومجي إلى عالم البرزخ والإيقان وهو الذي اعتاد التّصرّف الهادئ في حياته العمليّة واليوميّة.
صحيح أنّ القاضي قيومجي لم يتبوّأ المواقع المفصليّة في حياته القضائيّة، كونه من ناحية أولى لم يسعَ إلى ذلك، ومن ناحية ثانية لا مكان في عضويّة مجلس القضاء الأعلى لطائفته الكريمة (مع التّحفّظ لجهة طائفيّة المواقع ومذهبيّة المراكز)، مع الإشارة إلى أنّ الراحل من طليعي دورته.
وعليه، لن أتكلّم عن حياة القاضي ألبير الوظيفيّة وإن تميّز بمناقبيّة العمل الجدّيّ، بل سأتكلّم عن الوجه الآخر لهذا الإنسان الوديع والمسالم، ألا وهو الوجه الثقافيّ الرائع.
كثيرٌ لا يعرف أنّ القاضي ألبير يتحدّث أكثر من خمس لغات بطلاقة.
فهو يتقن أصول اللغة العربيّة، وفي هذا المجال يذكّرني بالوزير والنّائب الرّاحل خاتشيك بابكيان، وكذلك بالزّميل زوهراب عيوازيان أمدّ الله في عمره.
وهو الى جانب أثالته الأرمنيّة العتيقة، محدّث لبقٌ بالفرنسيّة والإنكليزيّة والتركيّة. كيف لا وأصوله تعود إلى عهد المتصرّفيّة.
محاورٌ محنّك "بهدوء اللياقة واللباقة"؛ إن تحدّث عن التّاريخ تراه مؤرّخًا بإسنادٍ وأدلّة.
وإن تكلّم بالسّياسة تلمحه عميق المعرفة، وفي جعبته "جراب الكرديّ" الذي يحتوي على الكثير من الأحداث.
وإن حدّثك بالدّين تخاله شيخًا معمّمًا، أو مطرانًا صقلته السّنون "فاختبر أحوال الرعيّة بعمق".
ومن منطلق المعرفة اليقينيّة فإنّ ألبير قيومجي الإنسان تفوّق على ألبير قيومجي القاضي.
فيا زميلي العزير، إنّ في رثائك غصّة ووقعًا أليمًا.
فلم يسبقك أحد في إرسال التحايا الصباحيّة والمسائيّة.
سأفتقد جدًّا ما كنت ترسل من أخبار متنوّعة في كلّ يوم من أيّام عمرنا الآيلة إلى زوال...
وداعًا أيّها الصديق المثقّف...
وداعًا أيّها القاضي الهادئ...
وداعًا أيّها الإنسان الذي لن يتكرّر...
لروحك فيض سلام!