مقالات مختارة >مقالات مختارة
قطاف «زهر الليمون» في مغدوشة.. حكاية عشق لا تنتهي
قطاف «زهر الليمون» في مغدوشة.. حكاية عشق لا تنتهي ‎الاثنين 10 04 2017 10:41
قطاف «زهر الليمون» في مغدوشة.. حكاية عشق لا تنتهي
الذهب الأبيض

ثريا حسن زعيتر:

تبدأ رحلة قطاف «الذهب الأبيض»، زهر الليمون البري الـ«بوصفير» وحبّاته البيضاء في بلدة مغدوشة – قضاء صيدا، باحتراف عالٍ حيث ينتظره المزارعون من موسم إلى آخر بفارغ الصبر، فهو ليس مصدراً للرزق لهم فقط، إنّما حكاية عشق بين أهل بلدة «سيدة المنطرة» وشجرة الـ«بوصفير»..
يتنشّقون عطر رائحة الزهر النقي، ويشعرون بارتياح جسدي ونفسي من ضغوط الحياة الصعبة، فعندما تفوح رائحته العطرة، لتصل إلى مسافات بعيدة، فتتحوّل البساتين إلى خلية نحل منذ ساعات الصباح حتى المغيب، حيث يعمل المحترفون في قطاف الزهر دون كلل أو ملل..

في بداية فصل الربيع تتحّول الحقول إلى عيد خاص، حيث يتجمّع حشد غفير، من الشبان والشابات، شيوخاً ونساءً، وأطفالاً، يستمعون إلى الأغاني، يضحكون، يتسامرون، ويرقصون.. الكل يُحضِر معه زوّادة الطعام، فيبدأون العمل منذ الصباح الباكر حتى المغيب، وعندما ينتهون من القطاف، يقومون بفرز الزهر، وأخذه إلى «التعاونية» أو إلى المنازل من أجل التقطير.

حكاية عشق

تقف أنطوانيت غانم في بستانها، الذي تكسوه الزهور والابتسامة على وجهها، لتفتخر بالقول: «ما أروع أنْ تشاهد حبات الزهر وتشم رائحتها، فهو يشفي من كل الأمراض، ويريح الأعصاب، فأرضي مزروعة كلها تقريباً شجر «بوصفير»، الحمدلله هذا الموسم كان ممتازاً، لذلك استعنت بالعمّال».
وأضافت، وهي تحمل بيدها حبّات الزهر متباهية بجودتها: «لديَّ أكبر الأراضي الموجودة في المنطقة، وعندما أكون موجودة فيها، أحسُّ بحنين إلى الماضي، فمنذ صغري كان والداي يصطحبانني معهما إلى القطاف، فتعلّمتُ كيف أقطف الحبة، وأدلّعها وكأنّها تحس بي، فالزهر ليس مصدر رزق للأهل، إنّما هي حكاية عشق وُلِدَتْ بيننا… ولأهميته لا يكاد يخلو بيت لبناني من زجاجة واحدة أقلّها من زهر الليمون ومشتقاته».
أما «أم أنطوان» فتعتمر قبعة، وهي تُشرِف على قطاف الزهر، وقالت: «منذ الصباح أتوجّه مع عائلتي إلى البستان، فنحن ننتظر الموسم بفارغ الصبر، لأنّه مصدر رزقنا، فنقطف الزهر، ثم نبدأ بعملية الفرز والتقطير، ونبيع كل ما يتعلّق بالمنتوجات «البيتية» مثل: شراب الورد، البوصفير، التوت، النعنع، دبس الرمان، خل التفاح، خل العنب، مربيات التين، السفرجل، اللقطين، المكدوس، الكبيس، الصابون البلدي، وزيت الزيتون، لكن يبقى ماء الزهر الأفضل».
وتابعت: «تشتهر بلدة مغدوشة بزهر الليمون، وكل كلغ واحد من زهر الـ «بوصفير» يقطّر قارورة واحدة من «ماء الزهر»، ثم تعبّأ القطرات في زجاجات متوسّطة، ويُحكَم إغلاقها منعاً لتسرّب الرائحة».
وأضافت: «أُشعِلُ الحطب تحت «الكركة» الصغيرة للتقطير، وهي تتّسع بين 5-8 كلغ من الزهر، يُوضع الزهر داخل «الكركة» ويُغمر بالماء، ثم يغلق عليه بالقسم العلوي من «الكركة» الذي توضع فيه المياه الباردة، ويجري «تطيين» الوصلة بواسطة الرماد أو الطحين المجبول بالماء، منعاً للتبخّر باتجاه الخارج، ويُمكن رفع قوّة النار في بداية النزل».
وزادت: «عندما تبدأ قطرات الماء بالخروج من أنبوب متّصل بـ«الكركة»، معنى ذلك أنّ الزهر يبدأ يتحوّل إلى بخار، فماء، عندها ينبغي تخفيف النار إلى أقصى حدٍ، بحيث تنزل القطرات قطرة قطرة، والمطلوب التنبّه بشكل دائم إلى تغيير الماء في القسم العلوي، كلّما فَتَر، واستبداله بماء بارد، لأنّه يشكّل الدور الأساسي في تحويل البخار الداخلي إلى ماء الزهر، حيث تتطلّب عملية التقطير بين الغلي إلى البخار حوالى 6 ساعات، ولا فرق في حجم «الكركة» أكانت كبيرة أم صغيرة».

موسم… البركة

بينما كان نسيم حايك يعمل على قطاف الزهر في أرضه، أشار إلى أنّ «الموسم يبدأ من كانون الثاني حتى نيسان من كل عام، وبسبب تحسّن الطقس هذا العام فإنّ حبّات الزهر أفضل من كل المواسم الماضية، وفي كل عام كنّا نقطف 20 يوماً أما هذا العام فقد قطفنا 23 يوماً، ولدينا 10 أيام إضافي حتى ننتهي، الحمد لله كان هذا موسم خير علينا».
وأضاف: «يُباع سعر كلغ الزهر بـ6500 ليرة لبنانية بالمفرّق، أما بالجملة للتعاونية فيباع بـ5 آلاف ليرة لبنانية، أما زجاجة ماء الزهر فتُباع بمبلغ 15 ألف ليرة، وتكون ذات جودة عالية وممتازة، أما بسعر الجملة فكل قنينتين بمبلغ 25 ألف ليرة لبنانية».
وأوضح أنّه «في بداية الموسم يقوم العمّال أولاً بقطف الأزهار المتفتّحة الصغيرة – أي كل عامل يقطف ما لا يقل عن 10 كلغ من الزهر يومياً، ولتأمين ضمان الربح في العمل، لجأنا إلى ماكينات نستعملها من نصف الموسم إلى نهايته، لأنّه من خلالها يتم الاستغناء عن عدد من العمّال، والموسم هذا العام في مغدوشة أنتج 80 طنّاً، أما في السنوات الماضية 50-60 طنّاً، وأيضاً في هذا العام خفّفنا اليد العاملة لأنّه تم إدخال ماكينة «الفراطة» الأوتوماتيكية، وهي ماكينة قطاف الزيتون، تعمل بدلاً عن 10 عمّال تقريباً، وهذا جيد وأقل كلفة للمزارع، وأكثر ربحاً له».
وختم: «أما التعاونية، فلديها قدرة على إنتاج حوالى 1600 كلغ في اليوم من ماء الزهر، وهذا يعود إلى «وكالة التنمية الأميركية»، التي جهّزت لهم مصنعاً قادراً على إستيعاب 800 كلغ إضافي من الزهر، إضافة لما يوجد لديهم، حيث يصبح الإجمالي 1600 كلغ».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : اللواء