بأقلامهم >بأقلامهم
ترامب وإيران.. ازدواجية الخطاب



جنوبيات
تصعيد عسكري في الشرق الأوسط، تصريحات متضاربة من قبل ترامب، وتكهنات حول نواياه الحقيقية. يُقال إنّه ليس بالضرورة أن يكون التناقض ضعفاً، بل قد يكون تكتيكاً. ولكن حين تتفاوت التصريحات بين التهديد بالقصف والدعوة للتفاوض، يصبح التساؤل ضرورياً: هل تعكس هذه التصريحات استراتيجية مدروسة لإرباك الخصم، أم أنها ارتجالاً سياسياً يعكس حالة من الارتباك، وفوضى لغوية تزرع الغموض أكثر مما توضح المواقف!
تُظهر تصريحات ترامب نمطاً مألوفاً في خطابه السياسي، الذي يمتاز بالتناقض الظاهري، والرسائل المتعدّدة، والتصعيد اللفظي المتقلب. بالنسبة لإيران الآن، نجد أنّ هناك ازدواجية بالخطاب الترامبي، بين الحرب والسلام، فهو يقول: لا أريد الانخراط في حرب، ثم يتحدث عن ضرب المفاعلات النووية، كما يفتح باب المفاوضات، ثم يقول بأنّ الأوان قد فات.
قد يكون هذا التناقض مقصوداً لإرباك الخصم، أو لإبقاء جميع الخيارات مفتوحة، وهذا متعارف عليه بالعلوم السياسية، ويُعرف بـ نظرية الغموض الاستراتيجي، ومن ميزاته بأنه يعطي مرونة بالمواقف، ويوسع هامش المناورة، هذا في حال كان محسوباً بدقة.
لكنّ الخطورة تكمن حين يتحوّل هذا الغموض إلى ازدواجية مربكة بالمواقف، لا تحمل دلالة تكتيكية، بل تعكس تذبذباً بالتقدير السياسي. فعندما تتعدّد الرسائل دون انسجام وترابط، تفقد قيمتها لدى الأطراف المعنية، سواء كانوا خصوماً أو حلفاء، وتفتح أبواب الشكّ والتأويلات، وتُضعف الثقة بالموقف الأمريكي على الساحة الدولية.
كما أنّ تكرار هذا النمط من التصريحات المتناقضة، خاصة في ملفات حساسة كالملف الإيراني، قد يجعل من الصعب التمييز بين التهديد الفعلي المقصود، والخطاب الاستعراضي بهدف الضغط الإعلامي، ما قد يؤدّي إلى سوء تقدير سياسي أو تصعيد غير محسوب.
وعليه، فإنّ استمرار هذا النمط من التصريحات يفقد الغموض الاستراتيجي فاعليته، ويحوّله من أداة ضغط، إلى عامل ارتباك يحمل عواقب وخيمة.