مقالات مختارة >مقالات مختارة
لماذا الإهمال المتعمّد لمعبد أشمون في صيدا.. رغم التطوّر العمراني؟
ريما عسيلي الحريري: صيدا بحاجة إلى الاهتمام مثل بعلبك وصور
فهد ميري: يجب تأهيله وجعله مركزاً سياحياً بامتياز
لماذا الإهمال المتعمّد لمعبد أشمون في صيدا.. رغم التطوّر العمراني؟ ‎الأربعاء 2 12 2015 13:50
لماذا الإهمال المتعمّد لمعبد أشمون في صيدا.. رغم التطوّر العمراني؟
الطريق بين منتجع ومدخل "معبد أشمون" - صيدا

ثريا حسن

منذ سنوات طويلة... و"معبد أشمون" الأثري الواقع عند الضفة الجنوبية لنهر الأوّلي - شمال مدينة صيدا يراوح مكانه من الإهمال الرسمي والنسيان البلدي والأهلي، ويغيب عن الخريطة السياحية لعاصمة الجنوب، فيما اللافت أنّ المنطقة التي تقع في محيطه تشهد الآن تطوّراً عمرانياً وسياحياً كبيراً لجهة افتتاح المطاعم والمراكز الضخمة والمحال، ما يدفع إلى التساؤل المرير، هل كُتِبَ على هذا المعلم السياحي أنْ يبقى طَيْ النسيان إلى الأبد دون أي حراك يُعيد له أمجاد زمان؟!...

الأمرُّ من ذلك، هو أنّ هذه المعالم بدأت تشهد نشاطات فنية وثقافية وزيارات مهمة، فيما هو يعاني من انعدام الأسوار لحاميته والحفاظ على آثاره وكثرة الأعشاب وغياب البرنامج السياحي المتوقّع... لماذا لم تتم إعادة تأهيل وترميم هذا المعلم الفريد من نوعه في لبنان، والفينيقي الوحيد الباقي الذي يجمع تاريخ 3 حضارات، ليوضع على لائحة التراث العالمي؟...

"لـواء صيدا والجنوب" يجول في معبد أشمون مجدّداً ومنطقته ويُجري مقارنة بين استمرار إهماله والتطوّر الذي يعمّ المنطقة بشكل لافت وسريع...

صمت... وإهمال

يخيّم الصمت على "معبد أشمون" كل يوم، تكسره بعض الزيارات الخجولة في عطلة نهاية كل أسبوع، فيما يكاد لا يدخل إليه السيّاح والوافدون، فالأعشاب التي تحوّلت إلى يباس تدق بـ "ناقوس خطرها" على الآثار والفسيفساء، في حال اندلاع أي حريق، فضلاً عن انتشار بعض الحشرات الضارّة والحيوانات، ناهيك عن عدم وجود سور من جهة البستان والطريق المؤدية إلى بلدة بقسطا يحيط به لحمايته من أي سرقة، وعن انهيار التربة والانجرافات المائية، وغياب الممرّات الآمنة والإضاءة، والأهم هو عدم أرشفة الآثار وإعادة المكتشفات ووضعها في داخل المعبد، وصيانة المبنى الذي لم يعد صالحاً ولا مناسباً للموقع الأثري.

حتى الآن لم تجد الدعوات التي أُطلقت أكثر من مرّة للاهتمام بهذا المعلم الأثري السياحي تجاوبا من المسؤولين المعنيين في وزارة السياحة والمديرية العامة للآثار وحتى بلدية بقسطا، لإعادة الاعتبار إلى موقعه بعد نسيان دام منذ عشرات السنين، خلافا لما هو حاصل في معالم أثرية وسياحية في مختلف المناطق اللبنانية، تمتد من آثار بعلبك في "مدينة الشمس" إلى جبيل وصولاً إلى آثار صور مدينة الحياة والتلاقي ما يطرح تساؤلات هل هذا مقصود؟ أين وزارة السياحة الغائبة؟، وأين هي الجمعيات التي تُعنى بالآثار والحفاظ عليها؟ وهل دورها فقط الأقوال دون الأفعال؟. وهل هناك "مناطق بزيت ومناطق بسمنة"؟

ضجيج... وحياة

مقابل الموت البطيء لمعبد أشمون، تضج الحركة في محيطه، وتكاد أصوات الأشغال لا تتوقف حتى ساعات الليل الأولى، فهنا شُيّد مطعم ومنتجع ضخم، وهناك أقيم مركز معارض، وبينهما فُتِحت محال للاسترزاق في منطقة باتت واعدة بحركتها السياحية والتجارية، إذ إنّها حلقة وصل بين مدينة صيدا جنوبا وقرى منطقة صيدا شرقا، وبين إقليم الخروب شمالاً والرميلة غرباً، وهي في هذه الميزة قريبة عنهم، وفي نفس الوقت بعيدة عن الضجيج، فيما يشكّل نهر الأوّلي رافداً للهدوء تحت ظلال أشجاره الباسقة.

* على بُعد مئات الأمتار فقط، تجلس ابتسام اصفهان أمام محلها الصغير لبيع الخضار والفاكهة، الذي تعمل فيه منذ 15 عاماً، وتقول مستغربة: "تحسّن الوضع في وادي أشمون، خاصة هذه السنة، وأصبحت المنطقة مليئة بالمطاعم، ومنها "بيت جدي" وLa sale وأيضاً منتزه نهر الأوّلي الذي يجذب السيّاح".

وبغصّة حزينة، تقول: "بالرغم من هذا التطوّر، إلا أنّ "معبد أشمون" الأثري السياحي بقي على ما هو عليه، بسبب إهمال وزارتي السياحة والثقافة في تحسينه وتطويره، بل على العكس فإنه يتراجع تدريجيا ويدخل في طَيْ النسيان، طالما لم يدخل على الخارطة السياحية في لبنان، وتنظّم إليها زيارات السيّاح الأجانب والعرب وحتى طلاب المدارس والمؤسسات الأهلية والاجتماعية والإنسانية".

* صاحبة منتجع Edisia ريما عسيلي الحريري قالت: "لقد افتتحتُ المنتجع في هذه المنطقة بالذات لأن المكان رائع وبعيد عن المناطق السكانية، وهو مخصّص للأعراس  والمناسبات في صيدا ومنطقتها، ويتألف من مساحة شاسعة من الأرض كلها مزروعة وتتميّز بلمسة خضراء وهواء عليل صيفا، وقسم  ثانٍ داخلي في فصل الشتاء".

وأضافت: "لقد تغيّرت المنطقة كثيراً، وأصبحت جميلة وتستقطب الناس والسيّاح، لكن للأسف الشديد "معبد أشمون" السياحي ما زال على ما هو عليه منذ طفولتي، وأنا أعلم أنّه معلم سياحي في صيدا وضواحيها دون أن يتطوّر، باعتقادي فإنّه يتعرّض لإهمال كبير من قِبل المعنيين، فالمعبد لا يزال على حاله رغم وجود مساحة كبيرة أمامه يمكن أن تُستغل لمهرجانات فنية لأنّه يُعتبر جزءاً من ثقافتنا وصيدا بحاجة إلى اهتمام أكثر كما باقي المناطق اللبنانية، كبعلبك وجبيل وصور وغيرها من المناطق السياحية".

تساؤلات... وخطر

* من جهته، دق الباحث الأثري والمهندس المعماري فهد ميري ناقوس الخطر أكثر من مرّة من الإهمال الذي يُعانيه هذا المعلم الأثري، داعياً المسؤولين إلى الاهتمام بهذا المعلم الأثري "من خلال رفع تراب النسيان عنه منذ عشرات السنين"، مذكّراً "بضرورة تأهيل وترميم المعبد ووضعه على لائحة التراث العالمي، وجعله مركزاً سياحياً مهماً، وأرشفة الآثار وإعادة المكتشفات، ووضعها داخل المعبد، ونشر التوعية والتركيز الإعلامي على حماية الآثار فيه، ورفع درج الحديد الذي وضع مؤخراً لعدم ملائمته مع الآثار".

واستشهد المهندس ميري بحادثة سردها أحد العاملين في الموقع أنه "في العام 1983 أثناء الاحتلال الإسرائيلي حضرت سيارة للعدو كان بداخلها رجل وامرأة يرتديان الثياب العسكرية، قاما بجولة داخل المعبد دون أن يحتاجا إلى دليل، وبمعرفة كاملة عن الآثار الموجودة داخل المعبد وفي المحيط، ليعلم لاحقاً أنّه مدير عام الآثار في الكيان الصهيوني".

تاريخ المعبد

يُذكر أنّ "معبد أشمون" يقع في أسفل جبل منطقة بقسطا العقارية، بُنِيَ المعبد أو الهيكل على الضفة الجنوبية لنهر الأوّلي شمال شرق صيدا، على العقارات 38/119/120، في البستان المعروف بـ "بستان الشيخ"، وذلك في العام 1861، وكان Greillordot أول من كتب عن هذه المعالم، حيث كان هذا المكان ولعدّة سنوات محط اهتمام، وبيع للكثير من حجارته.

المعبد عبارة عن مجمع ديني نسبة لرب الشفاء الفينيقي "أشمون"، وكان بمثابة مستشفى للأطفال، ذاع صيته في كل المدن الفينيقية، حيث يأتي الناس إلى كهنته المختصين بالطب، طالبين منهم إنقاذ أطفالهم، خصوصاً الذكور منهم، إذ تقول الأسطورة: "إن "أشمون" كان شاباً من أصل بيروتي، وكان الصيد هوايته المفضّلة، وفي أحد الأيام وقعت الإلهة "عشتروت" في حبِّه، فما كان منه إلا أن مال عن إغرائها، فحبس نفسه ومات"...

المصدر : اللواء