مقالات مختارة >مقالات مختارة
"جمرك التلفون أغلى من التلفون".. السلطة للناس: "كش ملك"!
"جمرك التلفون أغلى من التلفون".. السلطة للناس: "كش ملك"! ‎الخميس 22 12 2022 22:38
"جمرك التلفون أغلى من التلفون".. السلطة للناس: "كش ملك"!

سكينة السمرة

“عزيزي المشترك، هذا تذكير بأن رسوم الجمارك اللبنانية الخاصة بهذا الجهاز غير محصلة. عليك دفع الرسوم والا سيتم ايقاف الجهاز عن الشبكة”.

وصلتك هذه الرسالة؟ ان لم تصلك بعد، فانتظرها قريباً!

بدأت هذه العملية من شهر شباط الماضي، لكن صرخة المواطنين علت اليوم، بعد وجوب دفع الرسوم الجمركية على سعر صرف 15000 بدلاً من 1500 ليرة لبنانية.

تقول زينب، وهي مواطنة لبنانية تلقّت هذه الرسالة: “كيف لي أن أدفع مليونين ونصف المليون على هاتف، إشتريته سابقاً بمليون ونصف”!

وتضيف “بدل أن تشعر الدولة بنا، تقوم اليوم بإجبارنا على دفع هذه الرسوم، بدلاً من ضبط ما يدخل الى البلد”.

صرخة زينب، مشتركة مع كل الأشخاص الذين تلقوا هذه الرسالة، فهل يعقل أن يدفع المواطن اللبناني الجمرك مرتين، مرة عند شراء الهاتف، ومرة عندما تستفيق الدولة لمشكلة “التهرب الجمركي”؟

وهل يعقل أنه بدل أن تعفي الدولة عمّا سبق، وتلاحق المهربين وأصحاب المحلات، تحمّل وزر التهرب للمواطن اللبناني؟

وكأنّ اللبناني اليوم لا يكفيه ما يدفعه يومياً كضريبة للأزمة المستفحلة، مع جنون سعر صرف الدولار، وتدهور القدرة الشرائية الى حد الانعدام لشريحة كبيرة من المواطنين، وما زالت الدولة تجد أن الحل يكمن في “جيب المواطن”.

في هذا الإطار، وبهدف ضبط الأجهزة الخلوية المزورة أو المستنسخة، وللحدّ من التهرب من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، وبهدف تقليل نسبة إشغال واستهلاك الأجهزة المقلدة أو تلك التي لا تتطابق مع المواصفات والشروط العالمية، باشرت هيئة الجمارك بالتعاون مع وزارة الاتصالات وشركتي الخلوي “ألفا” و”تاتش” سلسلة إجراءات.

تقضي هذه الاجراءات أولاً بتنبيه المواطنين بضرورة دفع “رسوم الجمارك اللبنانية الخاصة بالجهاز”، ومن ثم تعطيل ارسال خط الهاتف بحال التخلّف عن الدفع.

في حديث خاص لموقع “الجريدة”، أكد وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم، أن “هذه العملية بدأت من أوائل الربيع، وتحديد الرسوم الجمركية يأتي من هيئة الجمارك، لا دخل لوزارة الاتصالات بذلك”.

وتابع أن “الفرق اليوم أنهم يدفعون على سعر صرف 15000”.

يذكر انه عام 2012، قدم وزير المالية حينها، محمد الصفدي عرضاً حول حجم النفقات البالغ 21.355 مليار ليرة مقابل عائدات قدرها 15.786 مليار ليرة وبعجز قيمته حوالي 5.570 مليار ليرة.

واعتبر أن “لا مانع من دراسة جدية للضرائب لتغطية بعض النفقات، مقابل تغطية البعض الآخر من تعزيز الجباية ووقف مزاريب الهدر، ومنها الجمارك التي تحرم الخزينة من مئات المليارات من الليرات سنوياً، بفعل الفوضى والتسيب عند البوابات الرئيسية. لذلك من الضروري ضبط عائدات الدولة، بالتزامن مع الحديث عن التعديل الضريبي.”

وكان الصفدي، قد وجه كتاباً الى وزير الاتصالات حينها نقولا صحناوي، أشار فيه الى حجم الهدر المقدر بحوالي 66 الى 100 مليون دولار من عمليات إدخال أجهزة هواتف خلوية بشكل غير شرعي.

وأوضح أن “تأثيرها مباشر على خزينة الدولة، إذ أن الإدخال غير الشرعي والتهرب من دفع الضرائب والرسوم المتوجبة والقيمة المضافة، يلحق خسارة بالخزينة تتراوح ما بين 60.000.000 د.أ، و 100.000.000 د.أ تقريباً سنوياً”.

وكشف أن “الأرقام التي زودتنا بها جمعية مستوردي الأدوات والآلات الكهربائية في لبنان، تسهم في توضيح إرتفاع قيمة الخسائر التي تلحق بالخزينة اللبنانية، إذ أن حاجة السوق اللبناني هي 1.200.000 جهاز خلوي سنوياً كحد أدنى مقابل 3.300.000 خط خلوي مفعّل وموضوع في الخدمة من قبل الشركتين صاحبتي حقوق الامتياز”.

أما عدد الأجهزة الخلوية المستوردة حسب الأصول ووفقاً لجداول وقيود مديرية الجمارك، فلم يتجاوز عددها 197.818 جهاز خلوي خلال العام 2011، أي ما لا يزيد عن خمس كمية الأجهزة الخلوية المستوردة.

وفي عام 2016، أعلنت إحصاءات الجمارك للسنوات الخمس السابقة، أي بين عامي 2011 – 2016، حيث سجل معدل إستيراد الأجهزة الخليوية عام 2012، 46.607 مليون ليرة لبنانية، ليرتفع إلى 290.719 مليون ليرة لبنانية عام 2013، وينخفض من جديد عام 2014 إلى 168.963 مليون ليرة لبنانية، ويسجل أدنى مستوى عامي 2015 و2016، بـ 31.966 و 31.463 مليون ليرة لبنانية.

أما عام 2018، أكدت وزارة المال أن تهريب الهواتف الخلوية يحرم الخزينة اللبنانية من نحو 60 مليون دولار سنوياً.

ومن أجل الحد من هذه الخسائر، تم الاتفاق بين وزارة المال ووزارة الاتصالات أن تدفع كل الهواتف الخلوية التي تم شراؤها خارج لبنان والداخلة إلى لبنان، ولو كانت للاستخدام الشخصي، رسوماً جمركية وإلا أصبح الخط المستخدم خارج الشبكة.

قد تكون المعضلة الحقيقية اليوم، أن الوزراء المعنيين على مر السنين وجدوا “طرف الخيط” للحل، وهو ضرورة التحكم بمزاريب الفساد، وأولهم التهرب الضريبي، لكن هل يُعتبر المواطن هو اللاعب الاساس هنا في هذه اللعبة؟ أم أن ضبط عمليات التهريب تبدأ من التجار والمعنيين في الجمارك؟ وكيف سيعلم المواطن عندما يشتري هاتف اذا كانت الرسوم الجمركية المتوجبة عليه محصلة؟

في المقابل، ستخوض الفئات الشعبية مرة اخرى معركة دفع الخسائر، وستتحمل وحدها أعباء جديدة مضافة، للتكبد الخسائر بأساليب غير مباشرة، ويُضحى بها كالعادة، بدلاً من التوجه الى اللاعب الملك، فيقولون للناس مرة اخرى “كش ملك”!

المصدر : جنوبيات