بأقلامهم >بأقلامهم
"الحياة أسلوب"!
جنوبيات
كان والدي ومعلّمي وقدوتي (رحمه الله) يردّد على مسامعي هذه المقولة:
"الحكمة ضالّة المؤمن".
تعدّدت المصادر والرّوايات حول صحّة هذه المقولة ما إذا كانت حديثًا يُروى أو كلامًا مرسلًا يفيد في تبيان حقائق الأمور على القول الميسور. ولكن الأغلب في كلا الحالين أنّ النّاس تردّد منذ سنين خلت هذه المقولة: "الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقّ النّاس بها".
يُحكى أنّ هارون الرشيد وبينما كان يتنزّه مع حاشيته في حديقته رأى نديمه ومستشاره، واسمه "بهلول"، جالسًا على أعلى الشجرة كعادته فسأله: يا بهلول، ما حكم السّرقة؟ فردّ "بهلول" وسط دهشة الجميع: إذا كانت عن "مهنة واحتراف" فتُقطع يد السّارق. أمّا إذا كانت عن "جوع وحوجة" فتُقطع يد الحاكم. عندها بكى هارون الرّشيد حتّى تعجّب الحضور، وقال: ما أعظمك من مستشار يا بهلول، قد قسوت علينا لكنّك ألزمتنا الحجّة.
وذات يوم، وبينما كان الخليفة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يتفقّد أحوال رعيّته شاهد من بعيد أشخاصًا يوقدون النّار فذهب إليهم، ولمّا اقترب منهم نادى: "يا أهل الضّوء"، ولم يقل يا أهل النّار، خشية أن تجرحهم هذه الكلمة".
أما سيّدا شباب أهل الجنّة وريحانة قلب رسول الله "الحسن والحسين" رضي الله عنهما وأرضاهما، لمّا رأيا رجلًا كبيرًا يتوضّأ عن طريق الخطأ قالا له: نريدك أن تحكم بيننا من فينا الذي لا يحسن الوضوء؟
ولمّا أتمّا وضوءَهما أمامه ابتسم وقال: أنا الذي لا أحسن الوضوء.
أمّا الإمام الغزالي فقد جاءه شخص يسأله: ما حكم تارك الصلاة؟
أجابه: حكمه أن نأخذه معنا إلى المسجد، ولم يقل له الحكم الشرعيّ في تلك المسألة.
وعليه، فإنّ الحياة أسلوب وليست تصيّدًا للعيوب!
ويا ليتنا نتعلّم عين الصّواب من الحكمة في كلّ كتاب، وأن نأخذ من كلّ رشيد الحكم السّديد، لا أن نضع الذّهب في القبّان بدلًا من الميزان!