بأقلامهم >بأقلامهم
"الموت من الخوف"!
"الموت من الخوف"! ‎السبت 8 06 2024 21:48 القاضي م جمال الحلو
"الموت من الخوف"!

جنوبيات

رحم الله والدي وجعل مثواه الفردوس الأعلى فقط كان يردّد على مسامعنا (إخوتي وأنا) هذه المقولة:

 إيّاكم والقلق فإنّه قتل كمّون!
وكان يذكّرنا بالمثل القائل: "ع الوعد يا كمّون"!
فما هي قصّة هذا المثل:

على الوعد يا كمّون، هذا مثل عربيّ مشهور، ويتداوله الكثيرون بدون معرفة أصله وفصله. 
كمّون هو اسم شخص، وليس نوعًا من الأعشاب. 
وقصّة هذا المثل، أنّه كانت هناك قرية صغيرة، يعيش فيها حكيم في الطّرف الغربيّ ويُدعى ماهر. وفي الطّرف الشّرقيّ منها، يعيش حكيم آخر يُدعى كمّون.
وفي يوم من الأيّام ذهب كمّون إلى الحكيم الأوّل وقال له: إسمع لا يجوز أن يكون في القرية الواحدة حكيمان، فعلى أحدنا أن يرحل ويبقى الأجدر.
فردّ عليه الحكيم: وما الحلّ برأيك؟ 
فأجاب كمّون: سأتحدّاك أمام جمع من الناس، وليصنع كلّ منّا سمًّا يسقيه للآخر. فمن استطاع أن يعالج نفسه وينقذها، فهو الحكيم الأجدر في البقاء في هذه القرية. فوافق الأوّل على اقتراح كمّون.
وفي اليوم الموعود، وأمام جمع غفير من الناس، صنع الحكيم كمّون سمًّا للحكيم ماهر ليسقيه إيّاه. فحضر الحكيم ماهر إلى الساحة بعد أن أوصى زوجته بأن تحضّر له الحليب المغليّ والماء المغليّ، ففعلت زوجته ما أمرها به. فقام ماهر، وأمام الجمع من الناس، بشرب السمّ الذي أعدّه كمّون، ثمّ سارع عائدًا إلى منزله، وشرب الحليب المغليّ وتقيّأ السُّمّ. وبعدها استحمّ بالماء المغليّ، ورجع إلى الساحة التي تجمهر فيها الناس ليروا ما جرى له، وليثبت لهم بأنّ سُمّ كمون لم يتمكّن منه.
وعندها قال لكمّون أمام الناس: سأصنع لك سُمًّا لن تستطيع أن تنقذ نفسك منه، لكن أمهلني (40 يومًا) وهي مدّة التحضير، فوافق كمّون.
 عندها قام الحكيم بشراء مطحنة يدويّة كبيرة، وذهب إلى بيته وراح في كلّ يوم يدقّ بالمطحنة اليدويّة، حتّى كاد صوت رنينها يصل إلى أسماع أهل القرية. وتملّك الفضول كمّون ليتسقّط أخبار صوت المطحنة الصادر من بيت الحكيم ماهر . وأخذ كلّ يوم يمرّ بجانب بيت ماهر فيسمع صوت المطحنة، وهنا أحسّ كمّون بالقلق وبدأ يتساءل عن نوع السُّمّ الذي يُصنع له.
وبعد مرور (40 يومًا) تجمهر الناس في الساحة، ليشاهدوا مفعول السُّمّ الذي صنعه الحكيم ماهر.
وعندما حضر كمّون لتناول السمّ، بدا متعبًا، هزيل البدن، جاحظ العينين، فتناول قدح السمّ من يدي الحكيم ماهر، وعند أوّل رشفة توفّي كمّون على الفور!
عند ذلك تعجّب الناس من قوّة السُّمّ، 
وتساءلوا عن سرعة مفعوله. فأجابهم الحكيم ماهر قائلًا: أنا لم أضع سمًّا لأنّ هذا حرام. وإنّ الذي شربه كمّون هو مجرّد ماء، لكن الذي أماته هو الانتظار والخوف والقلق الذي عاشه خلال (40 يومًا).
لذا، عيشوا حياتكم بدون قلق، فالأعمار بيد الله. ولا تقلقوا لئلّا تموتوا من الخوف مثلما مات كمّون.

 

المصدر : جنوبيات