عربيات ودوليات >أخبار دولية
خوفاً من إيران.. كيف يهدد الاحتلال حياة المدنيين في 4 دول عربية بتشويشه أنظمة الـGPS؟
الأربعاء 2 10 2024 13:14جنوبيات
يجد سائقون في مناطق بالأردن وسوريا ومصر، أن شاشاتهم تضعهم فجأة داخل بيروت عاصمة لبنان، أو داخل الأراضي المحتلة، وذلك بشكل متكرر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بسبب تعمّد الاحتلال الإسرائيلي تسببه بأعطال نظام الـGPS، معتبراً ذلك "من القدرات الدفاعية" لجيشه.
كذلك الحال بالنسبة في لبنان، إذ يظهر للناس في بعض المناطق وكأنهم داخل الأراضي المحتلة، بسبب أعطال وتلاعب في نظام الملاحة الدولي.
تشويش إسرائيل على GPS
وزاد جيش الاحتلال الإسرائيلي من التشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والتلاعب بها، منذ تهديد إيران بالرد بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال زيارته العاصمة الإيرانية طهران في 31 يوليو/تموز 2024.
يتجاوز الأمر الارتباك الذي يشعر به المدنيون في دول الأردن وسوريا ولبنان ومصر والأراضي الفلسطينية المحتلة، بسبب تعطل أنظمة GPS، إلى ما هو أكثر خطورة بسبب التشويش والتلاعب المتعمد من الاحتلال على أنظمة الملاحة الدولية.
يوضح تقرير "عربي بوست" تفاصيل بشأن المخاطر، وأهم المعلومات المرتبطة بالتشويش الإسرائيلي على أنظمة الـGPS وتهديده حياة المدنيين:
تشويش واسع النطاق منذ التهديد الإيراني بالرد
يبدو قطاع الطيران الأكثر خطورة من حيث التأثر بالتشويش على أنظمة الملاحة الدولية، إذ يبلغ طيارو الخطوط الجوية الذين يحلقون فوق منطقة الشرق الأوسط عن إشارات مزيفة لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تجاوزت أنظمتهم الملاحية، الأمر الذي يجبرهم على الاعتماد على التوجيهات الشفهية من مراقبي الحركة الجوية، بحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي".
رصد "عربي بوست" من خلال مواقع تتبع التشويش والأعطال والتزييف على إشارات الـ"GPS" أكثر المناطق في الشرق الأوسط تأثراً بها، ليتبين أنها:
الأردن، لبنان، غرب سوريا، المناطق الفلسطينية المحتلة، بعض المناطق شرقي مصر.
ليس جديداً أن يستخدم الاحتلال التشويش على نظام الملاحة، إلا أنه زاد من ذلك منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتصاعد ذلك بعد التهديد الإيراني بالرد على اغتيال هنية في طهران.
تشويش إسرائيل على GPS تصاعد منذ أكتوبر وزاد بعد التهديد الإيراني/ عربي بوست
تشويش إسرائيل على GPS تصاعد منذ أكتوبر وزاد بعد التهديد الإيراني/ عربي بوست
يقول جيش الاحتلال الإسرائيلي إن تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، "يربك أنظمة الاستهداف في الأسلحة"، معتقداً أن الصواريخ الإيرانية والمسيرات التي تملكها إيران، تعتمد على هذا النظام لتوجيهها إلى أهدافها.
علّق على ذلك المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، بالقول: "نحن ندرك أن هذا التشويش يسبب إزعاجاً، لكنه أداة أساسية وضرورية في قدراتنا".
لكن، هل الأمر متوقف بالفعل على "الإزعاج" كما يقول المتحدث الإسرائيلي؟
رغم أن مثل هذا التشويش قد يعيق الاتصالات والأسلحة الموجهة، فإنه يتداخل أيضاً مع الاتصالات المدنية، والأخطر من ذلك، الطيران المدني.
كما أنه يؤثر في الملاحة البحرية، والتوزيع والشحن، والبنية التحتية والأمن السيبراني في الدول المتأثرة.
منذ بدأت الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، استخدم الاحتلال تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في غزة ولبنان، وضد الهجمات التي شنتها إيران في 13 أبريل/نيسان 2024.
ويؤثّر ذلك على خدمات الطوارئ في عدد من الدول، وخدمات الإغاثة في غزة، وعلى البنوك والسكك الحديدية في المنطقة.
وسبق أن أفادت منظمة "أطباء بلا حدود" وجمعية العون الطبي للفلسطينيين للصحيفة، إن استمرار مشكلات الاتصال أعاق جهود الإغاثة في غزة.
لوم روسيا ولا انتقاد لإسرائيل
لكن، على الرغم من المخاطر العالية لعمليات التشويش هذه، تغيب نبرة الانتقاد لإسرائيل على ذلك، كما تغيب الإحصائيات والأرقام المرتبطة بذلك، على العكس من روسيا التي تقوم التغطية الإعلامية الغربية والتصريحات السياسية بمهاجمتها بسبب عمليات التشويش التي تقوم بها، المرتبطة بالحرب في أوكرانيا.
إذ وجه الإعلام الغربي اللوم بشكل مباشر لروسيا عقب الحرب في أوكرانيا على الانقطاعات التي أصابت نظام الملاحة العالمي، وانطلقت التحذيرات من تأثيرها على حياة 110 ملايين شخص، بحسب تقرير لـ"فايننشال تايمز"، بما في ذلك مدن تتواجد بها منشآت عسكرية؛ مثل سان بطرسبرج في روسيا، ولاهور في باكستان، وبيروت في لبنان.
إلا أن الانتقادات الغربية لم تطل ما تقوم به "إسرائيل" من تشويش وتزييف لإشارات الأقمار الصناعية، رغم المخاطر الناجمة عن ذلك، والتي تحدثت عنها التقارير الغربية باستمرار.
كيف تتم عملية التشويش؟
تشمل أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية العالمية (GNSS) نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) المملوك لأمريكا وتديره وكالة الفضاء "ناسا"، ونظام (Galileo) التابع للاتحاد الأوروبي، ونظام "Glonass" الروسي.
يُعدّ هذا النظام ضرورياً للنقل الجوي والبحري على وجه التحديد، كما أنه يستخدم في أنظمة عسكرية، تعتمد عليه لتوجيه الضربات والاستهدافات.
ترسل أقمار نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إشارات راديو إلى أجهزة استقبال GPS، وتقوم بقراءة الإشارات لاحتساب الموقع بشكل دقيق.
تتم عملية التشويش باستخدام إشارة راديو أقوى، تطغى على إشارات الأقمار الصناعية وتحجبها.
يؤدي ذلك إلى عدم قدرة جهاز استقبال GPS على تحديد الموقع الجغرافي.
أما التلاعب في إشارة "GPS" يتم بإظهار موقع مختلف عن الموقع الحقيقي، باستخدام موجات "GPS" معدّلة، ليتم إرسال نقطة موقع مختلفة عن النقطة الحقيقة.
لذلك، يُعدّ "التزييف" أيضاً أكثر خطورة من التشويش، حيث يمكن للإشارات الكاذبة أن تخدع أنظمة الكشف الموجودة في العديد من أجهزة استقبال GPS.
تهديد حياة المدنيين بحال تأثر الأسلحة بالتشويش
سيناريو خطير مرتبط بتزييف إشارات "GPS"، يتمثل بتحويل مسار الأسلحة الموجهة بنظام GPS مثل الطائرات بدون طيار إلى أهداف أخرى، ليمثل ذلك تهديدا على حياة المدنيين.
الطائرات المُسيرة والأسلحة الموجهة تميل إلى الاعتماد على النظام العالمي للملاحة عبر الأقمار الصناعية (GNSS)، لذلك يحد التشويش عليها من قدرتها على التنقل بشكل صحيح، بحسب المحلل في مؤسسة المعهد الملكي للخدمات المتحدة البحثية، توماس ويثينجتون لصحيفة "فايننشال تايمز".
في الرد الإيراني الأول على إسرائيل في أبريل/نيسان 2024، تأثرت نحو 30 ألف طائرة بالإشارات المخادعة، بحسب تحليل أجرته شركة SkAi لبيانات شبكة "أوبن سكاي" المتخصصة في مراقبة حركة الطيران.
بحسب ما أكده مواطنون في الأردن وسوريا ولبنان لـ"عربي بوست"، فإن نظام الGPS، ينقل شاشاتهم إلى مناطق أخرى.
كما أن مواقع تتبع الطيران، تكشف أن مسار الطائرات يتغير إلى كل من بيروت ومصر والأردن، بسبب تشويش على أنظمة GPS.
في حين يظهر هناك تلاعب في مسار الطائرات العسكرية الإسرائيلية، ليظهر أيضاً في كل من لبنان والأردن ومصر، بعيداً عن المناطق الإسرائيلية المحتلة.
وأفاد مواطنون من مدينة العقبة جنوبي الأردن، أن تطبيقات الخرائط مثل "Google Maps"، تضعهم في بيروت، في حين أنهم في إربد شمالي المملكة يقولون إنها تضعهم أحياناً في الأراضي المحتلة.
من جانبه، قال محمد ربيع، أحد عاملي توصيل الطلبات في الأردن، إن "الكباتن (عاملي التوصيل) يعانون بسبب مشاكل التشويش هذه، إذ إن مهمة التوصيل باتت أصعب، ونضطر إلى التأخر بتوصيل بعض الطلبات بسبب الأعطال في الخرائط".
وأضاف لـ"عربي بوست": "أجد نفسي أحياناً على الخريطة وكأنني في بيروت، ويتصل علينا الزبائن يسألون أين الطلب، ولكننا نعاني في عملية التوصيل، مع اعتمادنا بشكل رئيسي على الخرائط للوصول إلى الزبائن".
عامل توصيل آخر في لبنان، حسن قصير، أكد لـ"عربي بوست"، أن "الخرائط تظهر لنا وكأننا في إسرائيل، لذلك نقوم بالسؤال عن عناوين المنازل للوصول إليها، دون الاعتماد على الGPS، وهذا يؤثر على عملنا، ويقلل الطلب".
الطائرات تضطر لاستخدام أساليب للتغلب على التشويش
يضطر الطيارون إلى استخدام أنظمة بديلة لتحديد المواقع، بسبب التشويش والتلاعب في أنظمة GPS، إذ تحتوي جميع الطائرات تقريباً على الأنظمة البديلة، إلا أنها تزيد من احتمالات الخطأ بحسب خبراء.
من الأنظمة البديلة، الملاحة بالقصور الذاتي، التي تستخدم أجهزة استشعار الحركة.
وقال الخبير في تدخلات النظم العالمية لسواتل الملاحة بجامعة تكساس تود همفريز، إن شركات الطيران على وجه الخصوص لطالما كانت بطيئة في الاستجابة للتحذيرات المرتبطة بالتشويش، بحسب ما نقلته عنه "فايننشال تايمز".
وأضاف أن "الأنظمة التي يستخدمونها في الطائرات الحديثة لا تزال لا تتمتع بالحماية الكافية ضد التشويش والتزييف والتلاعب بأنظمة GPS".
وقال طيار أردني "م.م" لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن الطائرات المتجهة نحو الأردن إما تستخدم أنظمة ملاحية بديلة، أو تقوم بزيادة المسافة للالتفاف حول المنطقة التي يزداد فيها التشويش والتلاعب على أنظمة GPS، وهذا يطيل من وقت الرحلات قليلاً، لا سيما أن بعضها يفضل التحليق باتجاه مصر ثم إلى العقبة وإلى عمّان.
وأكد أن الطيارين يسجلون التشويش على أنظمة GPS، بشكل متزايد مؤخراً، يبدأ من قبرص في البحر الأبيض المتوسط، حتى هبوطهم في كل من بيروت وعمّان وتل أبيب.
كذلك قال مسافرون من دول أوروبية إلى الأردن، إن مسار الطائرات يتعمد العبور فوق مصر، مع تجنب الأجواء اللبنانية والأراضي المحتلة.
وسبق أن هدد لبنان بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بشأن التدخل الإسرائيلي في النظام العالمي لسواتل الملاحة.
نظام بديل بالنسبة لإيران
نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن مصدر في القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، قوله بعد الرد الإيراني على إسرائيل في أبريل/نيسان 2024، إن "جميع الصواريخ التي بنيت في إيران خلال الأعوام الـ12 الماضية لا تستخدم أي أنظمة دولية لتحديد المواقع"، وفق قوله.
يأتي ذلك على الرغم من التقارير الإسرائيلية والأمريكية، التي تقول إن صواريخ ومسيرات إيران التي أطلقت في الهجوم الأول، اعتمدت على نظام GPS.
لكن بحسب كونستانتين سيفكوف، عضو الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية وحاصل على الدكتوراه في العلوم العسكرية، فإن "نظام تيركوم لا يزال موجوداً، وتستخدمه إيران".
ونقلت عنه وكالة "سبوتنيك" الروسية قوله: "نحن نستخدم مثل هذا النظام أيضاً. وهذا ممكن، فالأمريكيون لديهم مثل هذه الصواريخ التي تعتمد على تيركوم، فعلى سبيل المثال، يحتوي صاروخ توماهوك على نظامين للتحكم في الطيران، نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ونظام تيركوم".
و"تيركوم"، هو نظام ملاحة يطلق عليه الأمريكيون هذا الاسم، ويعني (مطابقة تضاريس الأرض)، إذ يطير الصاروخ باستخدام أنظمة التحكم الموجودة على متنه، وعند الاقتراب من موقع تصحيح معين، يقوم بتشغيل مقياس الارتفاع الراديوي (RALT)، لإصابة الهدف دون استخدام نظام GPS.
إذ يدور الصاروخ حول التضاريس باستخدام مقياس الارتفاع الراديوي، الذي يسمح له بالتقاط صور للتضاريس على ارتفاع معين، وبعد ذلك يربط نظام التحكم الموجود على متنه التضاريس التي التقط صورها بالتضاريس التي يتضمنها هذا الصاروخ، ليحدد موقع الصاروخ بدقة تصل إلى أمتار.
بعد ذلك، يقوم الصاروخ بمناورة لتحديد مساره نحو الهدف المحدد، ويطير أبعد إلى موقع التصحيح التالي. وفي منطقة الهدف، يرتفع الصاروخ قليلاً ثم بمساعدة محطة رادار أو بمساعدة الإلكترونيات البصرية، يلتقط صورة رادارية للمنطقة، وبعد ذلك يقارنها بصورة المنطقة المسجلة بالداخل، ويحدد الجسم الذي يجب ضربه بدقة عالية جداً ويضربه.
لتكون دقة الضربة في هذه الحالة باستخدام نظام تيركوم بهامش خطأ دائري يتراوح بين 5 و 10 أمتار.
وأضاف سيفكوف أن الصواريخ الإيرانية التي تستخدم نظام تيركوم يمكنها إصابة الهدف بسهولة، مشيراً إلى أن "عملية سليماني التي نفذتها طهران في 8 يناير/كانون الثاني 2020، كانت دقة الصواريخ الإيرانية التي أطلقت حينها رداً على اغتياله، تتراوح بين 10 و15 متراً من حيث احتمال الخطأ الدائري. وهذه نتيجة ممتازة للصواريخ الباليستية متوسطة المدى. وهذه نتيجة تعادل صواريخ إسكندر".
كيف يعمل نظام الـGPS؟
تدور العديد من أقمار GPS حول الأرض، ويبلغ عددها 30 قمراً نشطاً حالياً، تبث إشارات باستمرار تحتوي على معلومات حول موقعها الحالي.
تحتوي الهواتف الذكية وأنظمة الملاحة على أجهزة استقبال GPS تلتقط الإشارات من أقمار GPS متعددة.
يحسب جهاز استقبال GPS المسافة إلى كل قمر صناعي بناءً على الوقت الذي تستغرقه الإشارات للوصول إلى الأجهزة.
يمكن لجهاز الاستقبال تحديد موقعه ثنائي الأبعاد (خط العرض وخط الطول) عن طريق حساب المسافة من ثلاثة أقمار صناعية على الأقل.
ويسمح إضافة قمر صناعي رابع بتحديد موقع ثلاثي الأبعاد، بناء على حساب الارتفاع. وهذه هي المتطلبات الدنيا لتحديد موقع جهاز استقبال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على الأرض بدقة.
تم تصميم أنظمة تحديد المواقع العالمية ومجموعات الأقمار الصناعية بحيث تكون أربعة أقمار صناعية على الأقل في مجال الرؤية، ويمكن لجهاز الاستقبال الوصول إليها من أي نقطة على الأرض.