بأقلامهم >بأقلامهم
"انقطاع المعنى وانقلاب المفهوم"!
جنوبيات
رحم الله والدي وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة فقد كان يقول لي: "عندما تنقلب الدّلالات والمفاهيم، يصبح البهيم فهيمًا"!
ففي اللغة العربيّة الكثير من الكلمات الدلاليّة وبمعانٍ محدّدة. لكن مع مرور الزمن، ومع كثرة الابتلاءات والمحن، وفي ذروة التقسيمات والفتن، ظهر لهذه الكلمات معانٍ جديدة، وبتغريدات فريدة في نوعها.
فمثلًا كلمة "الشّاطر"، بقيت تُستعمل حتّى الزّمان القريب بمعنى قاطع الطريق ومحترف السّرقة والنّصب والنّهب والفساد. لا بل هناك بحث كامل في شروحاته عنوانه:
العيّارون والشطّار في العصرَين المملوكيّ والعثمانيّ، إذ كانت هذه الصّفة مُلازمة للخارج على القانون.
وفجأة، وبدون سابق إنذار وقبل كلّ انتشار، صار الشّاطر يعني الماهر، وانقلبت دلالته إلى الضدّ.
وغير ذلك الكثير من الدّلالات التي انقلب مفهومها في هذه الأيّام.
مثال ذلك، كلمة "أولاد النّاس"، فصار يُقصد بها عليّة القوم، مع أنّ المقصود بها في الأصل جماعة المماليك والمرتزقة الذين لا يُعرف لهم أب.
وأصبحت "القهوة" تعني مشروب البنّ، مع أنّ معناها في أصل اللغة العربيّة هو "الخمر". وقد سُمّيت الخمر قهوة لأنّها تقهى شاربها عن الطّعام أي تذهب بشهيّته، باعتبار أنّ (أقهى) تعني انسدّت نفسه عن الأكل.
وهناك في اللغة العربيّة ما لا حصر له من الأمثلة الدّالّة على الانقطاع في المعنى، والانقلاب في المفهوم.
فماذا لو أجرينا إسقاطًا لهذه الدلالات والمفاهيم على بعض السّياسيّين في لبنان لوجدنا بدون أدنى شكّ الكثير الكثير من "الشطّار " "وأولاد الناس" وشاربي "القهوة"!
فتعسًا لزمن مفاصله حسّاسة، وسياسته خساسة...