بأقلامهم >بأقلامهم
"بائع الأوهام"!
"بائع الأوهام"! ‎الأحد 26 01 2025 19:30 القاضي م جمال الحلو
"بائع الأوهام"!

جنوبيات

يُحكى في الزّمن المشاكس للرّغبات والمؤدّي إلى الصّدمات أنّ أحد الدجّالين جاء إلى إحدى المدن في جمهوريّة كونكان الديمقراطيّة، فاجتمع النّاس حوله يشترون بضاعته الغريبة!
وفي كلّ يوم كانت سلعته تزداد رواجًا.
وذات يوم زار المدينةَ رجلٌ حكيمٌ عليه ملامح التُّقى والوَرَع والإصلاح. فأدهشه إقبال النّاس على الدّجّال، وسأل عن سبب الزّحام الشّديد حوله، فأخبروه أنّ هذا الرّجل يقوم ببيع قطعٍ من أراضي الجنّة، ويمنح سندات تمليك بذلك!
ومَن مات ومعه هذا السّند دخل الجنّة وسكن الأرض التي اشتراها هناك.
احتار هذا الرّجل الصّالح في كيفيّة إقناع هذا الكمّ الهائل من النّاس بكذب هذا الدجّال، وأنّه “يبيعهم الوهم”، وأنّ من اشترى منه قد وقع ضحيّة تضليله وتدليسه.
وبعد تفكير عميق لاحت له ملامح الحلّ، واهتدى “الرّجل الحصيف” إلى حلٍّ عبقريّ.
قصد الحكيم الرّجل الدّجّال وقال له:
كم سعر القطعة في الجنّة؟
فأخبره أنّ القطعة بـ100 دولار.
فقال الحكيم: وإذا أردتُ أن أشتري منك قطعة في (جهنّم) أتبيعها لي؟
استغرب الرّجل، ثمّ قال: خذها بلا مقابل.
بيد أنّ الحكيم أصرّ على الدّفع قائلًا: كلّا.. لا أريدها إلّا بثمنٍ أدفعه لك، على أن تعطيني سندًا يثبت ذلك.
فأجابه: سأعطيك ربع جهنّم بـ100 دولار، وهذا المبلغ يوازي سعر قطعة أرضٍ واحدة في الجنّة!
فقال له الحكيم: فإنْ أردتُ شراءها كلَّها؟
فردّ الدجّال قائلًا: عليك أن تعطيني 400 دولار.
ومن فوره قام الحكيم بدفع 400 دولار إلى الدّجّال، وطلب منه تحرير سندٍ بذلك، وأشهد عليه عددًا كبيرًا من النّاس.
وبعد الحصول على السّند قام الحكيم ينادي بأعلى صوته:
أيّها النّاس، لقد اشتريتُ جهنَّم كلَّها، ولن أسمح لأيّ شخصٍ منكم بالدّخول إليها!
فقد صارت ملكي بموجب هذا السّند.
أمّا أنتم، فلم يتبقَّ لكم إلّا الجنّة، وليس لكم من سكنٍ غيرها، سواء أشتريتم قطعًا من الأراضي أم لم تشتروا!
عند ذلك تفرّق النّاس من حول الدّجّال لأنّهم، وفي "مخيّلتهم"، ضمنوا عدم دخول النّار وفق سند الحكيم.
وعندها أدرك الدّجّال أنّه أغبى من هؤلاء الذين صدّقوا أوهام كذبه.
وهذا هو حال السّواد الأعظم من الشّعب المفتون بخزعبلات جلّ السّياسيّين، وما زال يصدّق أوهامهم ودجلهم، مذ كانوا أمراء حرب “في زمن الحرب”، وجعلوا مناطقهم محميّة بالسّواتر والحواجز بين البلد الواحد.
واليوم قد أصبحوا رجال دولة، بعضهم في السلطة التّشريعيّة، والبعض الآخر في السلطة التّنفيذيّة، وبعضهم، وبطرقٍ ملتوية، جعلوا بعض منفّذيهم في القضاء! فجمعوا المال، وبنوا القصور، واشتروا نصف عقارات الدّولة، وما زالوا يضحكون على عقول النّاس الضّعفاء بأنّهم يريدون إصلاح البلد.
وعليه، ألا يوجد في هذا البلد رجلٌ صالحٌ واحدٌ يُخرجنا من هيمنة هؤلاء الفاسدين وسلطتهم؟
على أمل أن يأتي المدد “والعون” من الله، ويحلّ الأمن “والسلام”، وتنقرض شلّة الدجّالين إلى أبد الآبدين…
آمين.

المصدر : جنوبيات