بأقلامهم >بأقلامهم
"الدّينار الآخر"!



جنوبيات
يُروى في أخبار الصّالحين أنّ صاحبًا لإبراهيم بن أدهم مرّ عليه وهو جالس مع أصحابه فنظر إليهم ولم يسلّم عليهم. فقال بعضهم:
أرأيت يا إبراهيم كيف نظر إلينا ولم يُلق السّلام علينا؟
فقال إبراهيم:
لعلّه مكروب، فلا يذهل عن أصحابه إلّا من به كرب.
فلحق به إبراهيم وقال له:
ما لك لم تلقِ علينا السّلام يا أبا فلان؟
قال:
امرأتي تلد وليس عندي ما يصلحها (أي ما يكفي لحاجتها). ثمّ انصرف.
فقال إبراهيم لأصحابه:
والله لقد ظلمناه مرّتين:
مرّة أن أسأنا به الظنّ، ومرّة أن تركناه حتّى احتاج.
ثمّ اقترض إبراهيم دينارين، اشترى بدينار منهما لحمًا وعسلًا وزيتًا ودقيقًا، وأسرع بهم إلى بيت صاحبه.
فلمّا طرق الباب قالت زوجة صاحبه وهي تتألّم:
من بالباب؟
قال:
إبراهيم بن أدهم. خذي ما عند الباب، فرّج الله عنك. ثمّ انصرف.
فلمّا فتحت وجدت الحاجيّات وفوقها "الدّينار الآخر".
وقد سمعها من بعيد تدعو متأثّرة وتقول:
اللهمّ لا تنسَ هذا اليوم لإبراهيم أبدًا.
كم من المكروبين ينتظرون طعام إبراهيم وديناره؟
وكم من عفيفة أو أرملة أو أيتام لمّا يأتيهم عطاء إبراهيم يلهجون بالدّعاء له. وما أدراكم ما تكون دعوة مكروبة ضعيفة لها عيال عند الله.
فكونوا إبراهيم هذا الزّمان لمكروبين ومكروبات بالآلاف في مثل حالها. فالدّعوة التي يدعوها المكروب عندما تنفّس عنه أصدق دعوة يدعو بها إنسان، لأنّ المكروب مفتوح القلب على السّماء.
وما أحوجنا في بلدنا الحزين لبنان إلى ابراهيم يخفّف عن شعبه المغلوب على أمره العناء ويقيه العوز حتّى الفناء.
"فكونوا لهم بالسّخاء، يلاحقوكم بالدّعاء، وما أحلاه من دعاء".
وكلمة من القلب:
"تفقّدوا أقاربكم وجيرانكم وأصحابكم. فمن نفّس عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عليه كربة من كرب يوم القيامة".