لبنانيات >أخبار لبنانية
لبنان في مرآة إعلامه: بلد بلا اتجاه، بلا مرجعية، بلا أفق، بلا بوصلة
لبنان في مرآة إعلامه: بلد بلا اتجاه، بلا مرجعية، بلا أفق، بلا بوصلة ‎الاثنين 14 07 2025 08:25
لبنان في مرآة إعلامه: بلد بلا اتجاه، بلا مرجعية، بلا أفق، بلا بوصلة

جنوبيات

إذا أراد مراقب خارجي أن يفهم ما الذي يحدث في لبنان، وفتح على مدى أيام وسائل الإعلام اللبنانية: الصحف، القنوات، البرامج الحوارية، المقالات، تغريدات الكتّاب والسياسيين، وأيضاً مواقع التواصل الاجتماعي التي يُفترض أنها تعبّر عن الرأي العام... فالأرجح أنه سيخرج بانطباع ثقيل ومحزن:
لبنان لم يَعُد بلداً طبيعياً، بل مساحة مشوّشة تتنازعها السرديات المتضاربة، ويتبادل فيها الجميع اللوم، ويتقلص فيها أي اتفاق على الحد الأدنى الضروري.
المراقب سيُصدم من بلد لا يملك رواية جامعة لأي حدث، حتى في أكثر لحظاته فظاعة ومصيرية.
فأمام انفجار مرفأ بيروت في 2020؟ الجريمة الأعنف، ليس فقط في تاريخ البلاد، بل في العالم، نجد ان كل طرف لديه رواية، كل وسيلة إعلام تلمّح إلى طرف مختلف، والقضاء لم يحسم الأمر حتى الآن.
بمواجهة حرب إسرائيل الأعنف، ضد حزب الله وكل لبنان، ظل لكل محور لغته: مقاومة، عدوان، تصعيد، ابتزاز، تصفية حسابات، إلهاء داخلي، معركة حدود، حرب - إسرائيلية - إيرانية على الأرض اللبنانية.. وينطبق هذا الأمر على قانون الانتخاب الذي تحوّل الى مسرح للاتهامات، وصراع على الأصوات الانتخابية لحسابات مصلحية صافية، في غياب البرامج. وأمام انهيار الاقتصاد، وكل الذي تسبب به، يختلف الجواب من وسيلة الى أخرى أو طرف ونقيضه.
لا يوجد سردية وطنية جامعة، بل فقط فسيفساء مذهبية حزبية إعلامية، تعكس أن لبنان تحوّل إلى أرخبيل من «الحقيقة المنفصلة عن الواقع»، وليس بلدا له صورة موحّدة. يسود الإعلام الحزبي كما الإعلام المستقل وحتى النخب الثقافية، إما الخطاب التبريري الدائم (ليحمي الزعيم أو الحزب أو السلاح)، أو خطاب عدمي عبثي (يكتفي بالتندّر على الخراب).
وأكثر الخطابات أقلوية وتهميشاً، هي تلك التي تضع الخطاب الوطني المستقل ومصلحة الدولة والمجتمع فوق مصلحة الفرقاء، والتي تحاكم الوقائع بلغة وطنية جامعة، أو تستعمل أدوات تحليل سياسي منهجي غير مؤدلج.
المراقب سيجد صعوبة في إيجاد إعلام يطرح الأسئلة الجذرية، بدلاً عن ذلك سيجد من يتفنن في تطبيع القبح، أو تأطير الكارثة وإدخالها داخل لعبة المحاور.
في أي أزمة، يسأل المتابع الخارجي حتى الآن: من يقرر في لبنان؟ ولا يجد جواباً. هل المسؤولين المنتخبين؟ أم حزب مسلح يفرض قراراته فوق الدولة ولا يخضع لمساءلة؟ أو برلمان، برئيسه الأزلي، يماطل ويعطّل ثم يلوم الآخرين. او القضاء الخاضع لتجاذبات لا زال يُكسر ويُدجّن حين يقترب من الحقيقة.
الخلاصة: لا أحد مسؤول، لا أحد يُحاسب، الكل يُعلّق الفشل على الآخرين.
أمام كل ذلك يبدو لبنان كبلد عاجز استسلم للخراب ويتم التعامل مع هذا الخراب كـ«طبيعة ثانية».
عند متابعة برامج الـ«توك شو» والحوارات السياسية: سنجد النائب المتهم بالفساد يجلس بأريحية ليُحلّل الوضع الاقتصادي. ومن دعم الميليشيات أو الاحتلال يُدلي بدروس في السيادة. شخصيات أُدينت شعبياً في الانهيار المالي تعود للظهور كما لو أنهم مخلّصين. أما الجمهور فيضحك، يشتم أحياناً، ثم ييأس ويصمت بإحباط.
لا محاسبة، لا ذاكرة، لا إحساس بالحدّ الأدنى من الحرج.
وهذا ليس فقط انحطاطاً في الخطاب، بل أخطر من ذلك، انه تعبير عن قبول واسع بانعدام المعايير.
وكأن لبنان فَقدَ شيئاً يشبه «البوصلة الأخلاقية المشتركة». بل فَقدَ لغته الأخلاقية الجمعية. لا حدود للخطاب العنفي، التخويني، التحقيري. ولا موانع أخلاقية تحكم السجال العام. كل شيء قابل للبيع أو التوظيف، من الشهادة إلى السيادة، من المعاناة إلى الدين.
وكأننا أمام بلدٍ يعيش في اللا– ضمير الجماعي، حيث الصوت الأعلى هو الذي يربح.
ماذا يستنتج المراقب الخارجي؟
ستتكوّن لديه صورة قاسية، ليس عن الشعب اللبناني كأفراد، بل عن النظام ككل: لبنان ليس مجرد «دولة فاشلة»، بل دولة في طور التفكك. هل هناك رابط بين اللبنانيين ببعضهم اليوم، سوى الخوف والمصلحة والعجز!
لبنان يخضع لحرب استنزاف ومهدّد بحرب إسرائيلية جديدة، ويقول أنا عاجز عن اتخاذ القرار!!
لبنان اليوم هو بلد حيّ جسدياً، لكنه في حالة «موت مدني معلَّق» - يتنفس، لكنه لا يعيش؛ يتكلم، لكنه لا يتفاهم؛ يعاني، لكنه لا يثور؛ يتذكّر، لكنه لا يتعلّم.
وسنرى الآن ما إذا كان تصريح توم برّاك عن العودة الى بلاد الشام، الذي فاجأهم وأدخل الرعب الى قلوبهم، سيوقظهم من سباتهم ويجعلهم يتوقفون عن تضييع الوقت، ويتصرفون كسلطة مسؤولة أم لا!!

المصدر : اللواء