لبنانيات >أخبار لبنانية
ملف السلاح بين الهواجس والضمانات.. !
ملف السلاح بين الهواجس والضمانات.. ! ‎الاثنين 21 07 2025 08:09
ملف السلاح بين الهواجس والضمانات.. !

جنوبيات

لطالما كان ملف سلاح حزب الله يشكّل العقدة الأكثر تعقيداً في المعادلة اللبنانية، ليس فقط لأنه يتّصل بمسألة السيادة واحتكار الدولة للسلاح، بل لأنه أيضاً يتشابك مع الحسابات الإقليمية والدولية، ومع بنية السلطة الداخلية التي نشأت على توازنات دقيقة، كانت حتى الأمس القريب تميل لمصلحة الحزب بفعل حضوره العسكري والسياسي والإيديولوجي.
من حيث المبدأ، يحقّ للدولة اللبنانية أن تضع جدولاً زمنياً واضحاً لتسلّم السلاح غير الشرعي، انسجاماً مع الدستور، واتفاق الطائف، والقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار ١٧٠١ وإتفاق وقف النار في ٢٧ تشرين الثاني الماضي. لكن من حيث الواقع، يصطدم هذا الحقّ بسلسلة معوّقات تبدأ من انقسام الداخل اللبناني حول  مفهوم ودور المقاومة، ولا تنتهي بتضارب الأجندات الخارجية التي غالباً ما تُبقي لبنان ساحة صراع بالوكالة، لا دولة مكتملة السيادة.
الطرح الأميركي الأخير الذي حمله الموفد الرئاسي توم باراك، أعاد فتح النقاش حول إمكان الشروع بـ«خطة زمنية» تبدأ بإجراءات بناء ثقة متبادلة بين الدولة والخارج من جهة، وبين اللبنانيين  والحزب من جهة ثانية، وتؤدي إلى تسلّم الدولة القرار الحصري في الحرب والسلم. ومن الإقتراحات المطروحة في هذا السياق حصر الخطوة الأولى في نطاق بيروت الكبرى، التي تشمل الضاحية الجنوبية والضواحي الشمالية والمخيمات الفلسطينية المتواجدة في هذا النطاق الجغرافي. ورغم أن الرد اللبناني الرسمي لم يرفض الفكرة من حيث المبدأ، إلا أنه لم يقدّم حتى الآن تصوراً عملياً قابلاً للتطبيق، في ظل موقف الحزب الذي لا يزال يرفض التخلي عن سلاحه، بحجة الحفاظ على أولوية «الحماية الاستراتيجية للبنان»، قبل أي نقاش بسحب سلاحه، فضلاً عن المماطلة المستمرة من الفصائل الفلسطينية. 
إن عجز الدولة عن وضع روزنامة واضحة لتسلّم هذا السلاح لا يعود فقط إلى غياب القدرة العسكرية أو التقنية، بل إلى غياب القرار السياسي الجامع. فكل محاولة لمعالجة هذا الملف تُواجه بتوجُّسَين متوازيَيْن: توجُّس الفريق الممانع من نزع ورقة قوته الداخلية والإقليمية، وبالتالي تجريده من «أداة الدفاع عن  عناصره وبيئته»، خاصة وأن مجازر صبرا وشاتيلا التي إرتكبها شارون بأدوات لبنانية، إثر خروج عرفات ومقاتلي التنظيمات الفلسطينية بعد إجتياح عام ١٩٨٢، ما زالت حاضرة في ذاكرة الحزب وكثير من اللبنانيين. وتوجُّس الفريق السيادي من القبول بمبدأ «التزامن»، الذي قد يفتح الباب لمساومات لا تؤدي إلى نتيجة حاسمة، بل قد تساعد إيران على ترميم القوة العسكرية للحزب! 
والمشكلة لا تكمن فقط في بقاء السلاح بيد غير الدولة، بل في تداعيات ذلك على مستقبل لبنان ككيان. فطالما بقي قرار الأمن والدفاع موزّعاً بين مؤسسات الدولة و«الدويلة»، فإن مشروع بناء الدولة الحديثة سيظل مؤجّلاً، وسيبقى النظام في حال شلل مزمن، عاجزاً عن إجراء إصلاحات حقيقية، أو اجتذاب استثمارات دولية، أو إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد.
والأسوأ أن استمرار هذا الوضع يعني أيضاً بقاء لبنان في دائرة الاستهداف، سواءٌ من إسرائيل التي تلوِّح بالحرب بحجّة وجود ترسانة غير شرعية قرب حدودها، أو من المجتمع الدولي الذي يربط أي دعم مالي أو سياسي للإعمار وإعادة النهوض بالإقتصاد، بتحقيق شروط الحد الأدنى من السيادة والحوكمة.
بالمقابل، فإن الخروج من هذا المأزق لا يمكن أن يتحقّق بقرارات مرتجلة أو ضغوط خارجية فقط، بل يتطلّب توافقاً شاملاً، وتوفر ضمانات ثابتة ومقنعة بتنفيذ الجانب الإسرائيلي إلتزاماته، وفي مقدمتها وقف الخروقات والغارات اليومية، والإنسحاب من التلال الخمس، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، ووقف عمليات الإستهداف والإغتيالات التي تصطاد عناصر من الحزب؛ وضمانات دولية بتمكين الدولة من فرض سلطتها على كامل أراضيها، وتوفير المساعدات اللوجستية والمعدات اللازمة. 
وإذا كان من الصعب في اللحظة الراهنة الاتفاق على كل تلك التفاصيل، فإن الحد الأدنى المطلوب اليوم هو الإقرار بأن استمرار السلاح خارج المؤسسات الرسمية   يُشكّل عائقاً أمام أي مشروع إنقاذي حقيقي، وأن تسليم هذا السلاح لا يجب أن يُفهم كهزيمة، بل كخطوة نحو دولة عادلة وفاعلة وقادرة على حماية جميع أبنائها تحت سقف القانون.
فهل سينجح باراك في بلورة هذه الرؤية ووضعها في صيغة تنفيذية عملية وواقعية؟ أم أن اللبنانيين سيواصلون الدوران في الحلقة المفرغة بين واقع الدولة المقيّدة وسلاح الأمر الواقع؟

المصدر : اللواء