فلسطينيات >داخل فلسطين
رصاص الفراشة المحظور دولياً يهشم عظام جرحى مسيرة العودة
رصاص الفراشة المحظور دولياً يهشم عظام جرحى مسيرة العودة ‎السبت 28 04 2018 23:04
رصاص الفراشة المحظور دولياً يهشم عظام جرحى مسيرة العودة

محمد الجمل

على الرغم من أن الرصاص "الانشطاري" أو ما يعرف برصاص "الفراشة"، محظور دولياً، فإن جيش الاحتلال لا يكتفي بإطلاق هذا النوع من الرصاص باتجاه المشاركين في مسيرات العودة وإنما يستخدمه بكثافة خلال قمعه تلك المسيرات، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الجرحى الذين بترت أطرافهم علاوة على وقوع مئات الإصابات الخطيرة والتي إن نجا أصحابها فسيبقون طوال حياتهم يعانون جراء فداحة الإصابات الناجمة عنها.
وهزت صورة الطفل الجريح عبد الرحمن نوفل (12 عاما)، بعد أن بدت قدمه شبه مقطوعة عقب إصابته بهذا النوع الخطير من الرصاص المتفجر الملايين ممن شاهدوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاهد الأطباء في غزة والضفة الغربية من أجل إنقاذ قدمه من البتر دون جدوى، حتى أجبروا على بترها، لإنقاذ حياته، فيما تمكنوا من إنقاذ قدمه الأخرى، التي أصيبت بالنوع نفسه من الرصاص المتفجرة.
وقال يامن نوفل، والد الطفل، إن نجله نُقل للعلاج في المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله، وأجريت لابنه هنام عملية استمرت عدة ساعات، اضطر خلالها الأطباء ببتر قدمه لسوء حالته الصحية، حيث أخبره الأطباء إصابة ابنه بتسمم في الدم، وأن حالته الصحية خطيرة، لذلك يجب بتر القدم لإنقاذ حياته.

إصابات مضاعفة
ويقول استشاري جراحة العظام في مشفيي غزة الأوروبي والشفاء الدكتور جمال أبو هلال، إن الإصابات التي شاهدها كانت صعبة، والرصاص المستخدم تسبب في تهتك شديد في عظام المصابين وأجسادهم، خاصة مفاصل الأرجل، وهذا تطلب خضوع المصاب لسلسلة عمليات جراحية شارك فيها أخصائيو عظام وأوعية دموية.
وأوضح أبو هلال لصحيفة "الأيام" المحلية، أن الأطباء يبذلون جهودا كبيرة لإنقاذ المصابين من البتر، وتثبيت العظام بصورة فاعلة.
وقال أبو هلال: جل الإصابات حول مفاصل الركب، أو الكاحل أو الكوع، وهي تؤدي إلى تهتك غضروف المفاصل، والتعامل معها صعب، ويحتاج لتدخلات طبية متعددة.
لكن أبو هلال توقع أن يواجه معظم المصابين إعاقات مستقبلية متفاوتة، حسب درجة الإصابة، وحتى من استطاع منهم السير بعد أشهر، فسيواجه مشاكل أخرى كخشونة مبكرة في العظام وغيرها.
وأشار أبو هلال إلى أنه برفقة أطباء أوعية دموية جاهدوا لإنقاذ قدم الفتاة مريم أبو مطر (17 عاما)، الملقبة بـ"فتاة العلم، والتي تسببت رصاصة متفجرة في تهشيم عظام قدمها، وتمزق الأوعية الدموية بصورة كبيرة، ما استدعى إخضاعها لعدة جراحات، مشيراً إلى أن هناك العديد من الحالات المشابهة التي تمكن من إنقاذها من البتر.

عظام مفقودة

من جهته، أكد مدير المستشفى العسكري الجزائري ببلدة عبسان الطبيب الجراح وائل شقفة، لـ"الأيام"، أن أكبر مشكلة واجهها الأطباء حين يدخلون غرفة العمليات اكتشافهم بأن أجزاء من عظام قدم المصاب مفقودة، إما نتيجة قوة الإصابة أو بسبب تفتتها لدرجة أقرب للذوبان، وهذا يجبرهم على مضاعفة جهودهم في محاولة لتقليل أثر الرصاص، وإعادة تثبيت العظام بشكل أقرب لما كان عليه.
وأوضح شقفة: في الغالب يكون مدخل الرصاصة صغير، ومخرجها كبير، وكثيراً ما تصيب الرصاصة القدمين معا، وتنثر شظايا مجهرية صغيرة، تتسبب في أضرار كبيرة في أجساد المصابين، موضحاً أن مئات المصابين تم تركيب جسور معدنية لهم للمساعدة في تثبيت العظام.
وشاهدت "الأيام"، إصابات مروعة لشبان أصيبوا بهذا النوع من الرصاص في منطقتي خان يونس ورفح جنوب قطاع غزة، وكان بعض المصابين، ما دفع الطواقم الطبية في النقاط الطبية الميدانية لحقنهم بمسكنات ألم، وإجراء تثبيت مبدئي عاجل للقدم، قبل نقلهم للمشافي من أجل استكمال العلاج.
وبحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة، أمس، فقد تعرض 21 مواطناً لحالة بتر للأطراف جراء اعتداء قوات الاحتلال على المشاركين في مسيرة العودة منذ 30 آذار الماضي.
وأوضحت الوزارة في بيان لها انه من حالات البتر (4 حالات بتر في الأطراف العلوية شملت 1 في كف اليد و 3 في الأصابع، إضافة إلى 17 حالة بتر في الأطراف السفلية). علاوة على عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.

قذيفة مصغرة

بينما يقول الناشط أحمد نصر، أنه شاهد إصابات مركبة وخطيرة، وأكثر ما لفت انتباهه أمران، الأول أن الرصاصة أحياناً تصيب القدمين معاً، وفي بعض الحالات تخرج من الأولى وتصيب الثانية، وتخرج منها، وهذا دليل على أن الرصاص المستخدم غريب وفتاك.
أما الملاحظة الثانية بحسب نصر، فإن الرصاصة الواحدة قد تصيب أكثر من شخص في الوقت نفسه، وكأنها قذيفة مصغرة، وهذا ما شاهده عدة مرات، حيث ترتطم الرصاصة بحجر أو جسم صلب، ثم تنفجر وتصيب كل من حولها، ورصدت ست إصابات برصاصة واحدة شرق مدينة خان يونس، وأخرى أربعة أشخاص في رفح.
أما أحد مسعفي الهلال الأحمر، فأكد أنه لاحظ أيضاً تعمد إصابة الشبان برصاص في المفاصل، مثل مفصل الركبة والرمانة، أو في الأعضاء التناسلية للمصاب، وهو ما أكده الدكتور عماد الباز، رئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق بغزة، موضحاً أنه في أول أسبوعين من الأحداث، كان لدينا 60 إصابة في الأعضاء التناسلية، بهدف إحداث عقم لدى المصابين، إضافة لمئات الإصابات في مناطق مفصلية تتسبب في إعاقات ربما أبدية.
ونوه الباز إلى أن اللجنة وبمساعدة أطباء، تمكنت من تصوير أجساد الشهداء بالأشعة التي تظهر وجود الشظايا، وتم عرض الجثامين على الطب الشرعي، واستخراج رصاص وشظايا من أجساد المصابين والشهداء.
وبين الباز أن اللجنة استطاعت أن تثبت أن الاحتلال يستخدم الرصاص المتفجر، ولديها تقارير عدلية تصلح كنواة لمقاضاة الاحتلال في المحاكم الدولية، داعياً للبدء بهذه الإجراءات.
واضطرت وزارة الصحة في قطاع غزة، لتأجيل (4000) عملية جراحية من العمليات المجدولة، في ظل الضغط الكبير على غرف العمليات وأقسام المبيت في المستشفيات الحكومية، وذلك بسبب العدد الكبير من الإصابات التي تستقبلها المستشفيات من مصابي مسيرة العودة السلمية، والتي تحتاج إلى إجراء عمليات جراحية مركبة، قد تستغرق ساعات طويلة.
بينما يؤكد مدير الجراحات التخصصي بمجمع الشفاء الطبي د. مروان أبو سعدة، أن الأيام الأولى من الأحداث شهدت إجراء عشرات العمليات، شملت الأطراف السفلية، والعظام، والأعصاب، والباطنة، والصدر، والوجه، والفكين، بعد فتح 11 غرفة عمليات في مستشفى الشفاء آن واحد، وبمعدل إجراء 30 عملية في اليوم الواحد، وهذا رقم كبير.
وبحسب هندسة المتفجرات في قطاع غزة، فإن الرصاص المتفجر الذي تستخدمه قوات الاحتلال بحق المتظاهرين، منذ الثلاثين من آذار الماضي، ينقسم إلى قسمين، أحدهما عيارات صغيرة يطلق من بنادق خفيفة، لكن النوع الثاني الذي يطلق من بنادق قنص وعياراته ثقيلة يكون أشد خطورة، ويتسبب في تهتك الأعضاء جراء نشر شظايا في الجسم، فالرصاص الثقيل مصمم للإصابة من مسافات بعيدة، لكن في غزة يصاب به الأشخاص من بعد عشرات الأمتار، فيحدث أضرار مركبة ومضاعفة.

انتهاك للقانون الدولي
فيما يقول الحقوقي وخبير القانون الدولي محمد أبو هاشم، إن القانون الدولي حدد معايير للقذائف المتفجرة، وحظر استخدام تلك التي يقل وزنها عن 400 جرام، وبالتالي الرصاص المتفجر يدخل ضمن هذا الحظر، ويمنع استخدامه في مختلف الميادين، خاصة ضد المدنيين.
وأكد أبو هاشم أن استخدام هذا الرصاص يخالف البروتوكول الأول لاتفاقية الأسلحة التقليدية، والمعروف باسم البروتوكول المتعلق بالشظايا التي لا يمكن الكشف عنها (1980)، والذي كانت إسرائيل قد وقعت عليه؛ وبالتالي فهو ملزم لها.
كما يخالف إعلان "سان بطرسبرغ" لعام 1868، الذي حظر أيضاً المقذوفات المتفجرة بكافة أشكالها.