مقالات مختارة >مقالات مختارة
انتخابات الكنيست الرابعة والعشرون.. نتنياهو يهدم المعبد
الاثنين 22 03 2021 09:47د. يوسف يونس
• تخوض الانتخابات الاسرائيلية 39 قائمة، تنحصر فرص اجتياز نسبة الحسم 3.25%، ما بين 11 إلى 13 قائمة، من المتوقع أن يستحوذ معسكر اليمين على أكثر من 80 مقعداً في الكنيست، مع هامش ضيّق لحزبي اليسار، العمل و ميرتس، اللذان يُتوقع أن يحصلا سوية على ما بين 8 و10 مقاعد فقط، والعرب الذي يتوقع ان يحصلوا على 8 - 12 مقعدا. والوسط والذي يمثله حزب "ييش عتيد" بقيادة يائير لبيد.
• تتمحور الصراعات الانتخابية في داخل معسكر اليمين، بين معسكر مؤيد لنتنياهو ، ومعسكر اخر معارض لبقائه في المشهد السياسي. حيث يتكوّن التحالف الداعم لنتنياهو من حزب الليكود، وأحزاب المتدينين، وتحالف الصهيونية الدينية الفاشية، وتمنحه الاستطلاعات 48 - 49 مقعداً ، وإذا انضم اليهم حزب «يمينا»، قد يصل هذا التحالف إلى 60 مقعدا، وينقصه صوت واحد لتشكيل الحكومة القادمة. وفي المقابل لا تشكّل الأحزاب المعارضة لنتنياهو تحالفاً أو معسكراً متماسكا، وانما مجموعة من القوى السياسية المتنافرة سياسياً. الحزب الأكبر المنافس لنتنياهو هو «يوجد مستقبل» (20 مقعداً)، ثم حزب «أمل جديد» (11 مقعدا)، ثم حزب «اسرائيل بيتينو» (7 مقاعد)، ثم حزب «العمل» (6 مقاعد). ويتأرجح حزب «ميرتس» وحزب «كاحول لافان» حول نسبة الحسم، وفي حال سقوطهما، أو حتى سقوط أحدهما فسوف تزداد حظوظ نتنياهو في البقاء في السلطة. وفي افضل الاحوال فان هذا التحالف سيحصل على حوالي 52 مقعدًا، وإذا انضمت القائمة المشتركة (8- 9 مقاعد) الى التحالف، باعتبار انها من اكبر معارضي نتنياهو، فان هذا المعسكر يمتلك حوالي 60 مقعدا يعارضون عودة نتنياهو إلى الحكم.
• حسم الانتخابات والائتلاف المقبل سيكون في أيدي الاحزاب الصغيرة، وخاصة في ضوء مؤشرات على زيادة عدد الاحزاب التي ستتأرجح حول نسبة الحسم (3.25%) ، ويتعزز هذا التخوف في معسكر الوسط واليسار حيث ترتفع احتمالات عدم تجاوز نسبة الحسم لدى كل من : حزب كاحول لافان، حزب ميرتس، الحزب الاقتصادي ، ما سيعطي افضلية لنتنياهو. وفي اليمين يلاحظ أن هذا الخطر يتهدد فقط حزب الصهيونية الدينية، الذي يسعى نتنياهو لتجاوز هذا الخطر الذي سيهدد قدرته على تشكيل الائتلاف القادم.
• معسكر أحزاب الوسط – اليسار ، لم يتبق لهم أمل بالحصول على عدد من المقاعد يؤهلهم لتشكيل الحكومة أو التأثير في تشكيل الحكومة المقبلة، وتصارع معظم مكونات المعسكر للبقاء على الخريطة الحزبية.
• لم تنجح استطلاعات الرأي في الانتخابات الإسرائيلية الخمسة الأخيرة، في الاقتراب كثيرا من النتيجة النهائية، وهذا ما قد يتكرر في الانتخابات المرتقبة ، خاصة وأن الحديث يدور عن معركة لتحقيق أغلبية هشة، إما لائتلاف مع حزب الليكود، أو خسارته لهذه الأغلبية بفارق طفيف، بمعنى أن الحديث يجري عن انتقال مقعدين الى ثلاثة من هذا الجناح الى الآخر. ولا تزال استطلاعات الرأي، تطرح نتائج متقاربة، وأقصى ما يصل إليه تحالف نتنياهو، ومن ضمنه "يمينا"، 60 مقعدا. وفي المقابل نجد مواقف المعسكر المعارض متناقضة ولا يوجد بينهم اتفاق حول مرشحهم لتشكيل حكومة، حتى لو قرر "يمينا" الانضمام إليه، إذ سيكون ائتلاف كهذا يميني، أكثر من معسكر نتنياهو، وستُستبعد منه القائمة المشتركة وميرتس، وربما حزب العمل. ولذلك يتوقع استمرار الأزمة السياسية الإسرائيلية وصعوبة تشكيل أي من المعسكرين، المؤيد لنتنياهو والمعارض، حكومة بعد الانتخابات.
• يلاحظ ثبات نسبي في الاحتمالات المتعلقة باحزاب المتدينين ، حيث يتوقع حصول شاس ويهوديت هتوراة على 15 – 16 مقعد، علما وانهما في الجولات الانتخابية الثلاث السابقة، حصلتا على 16 مقعدا، واستنادا لتزايد أعداد المتدينين، وكونهم يسجلون أعلى نسبة إقبال على صناديق الاقتراع، بما يتجاوز نسبة 90%، وأيضا استنادا لنتائج الجولات الانتخابية الثلاث السابقة، اضافة الى انه لم تعد هناك قوائم يترأسها أحد من اليهود الشرقيين، سوى شاس، فإن من المتوقع أن قائمتي المتدينين ستصلان في الانتخابات المقبلة الى 17 مقعدا، أكثر بمقعدين مما تشير له الاستطلاعات.
• تصارع أحزاب اليسار، للبقاء على الخريطة الحزبية، فقد تقلصت القاعدة الانتخابية لليسار الصهيوني، ما ادى الى توقع حصوله على 4 – 5 مقاعد لحزب "ميرتس" ، و 6 – 7 مقاعد لحزب العمل ، والقائمة العربية المشتركة 8 – 9 مقاعد ، أي اجمالي 20 مقعد تقريبا لليسار والعرب، في مقابل حصول احزاب اليمين واليمين المتطرف والمتدينين 98 – 100 مقعدا.
• الفلسطينيون في الداخل، الذين يشكّلون 17 % ممن يحق لهم الاقتراع، أمام حالة انقسام جديدة. فقد انشقّت الحركة الإسلامية الجنوبية التي تخوض الانتخابات تحت مسمى "القائمة العربية الموحدة"، عن القائمة المشتركة، هذا الانقسام سيكون من شأنه أن يؤدي إلى تراجع التمثيل العربي في الكنيست، من جهة، مع مخاوف من سقوط القائمة المنشقة وعدم قدرتها على اجتياز نسبة الحسم، من جهة أخرى. لكن أكثر ما يبعث على القلق في ظلّ وجود قائمتين، هو توسع الشرخ الداخلي الاجتماعي، في الوقت الذي تكثف فيه الأحزاب الصهيونية، حملاتها الدعائية لكسب الأصوات من الناخبين العرب.
• تتمحور احتمالات تشكيل الحكومة المقبلة، بين تحالف متماسك داعم لنتنياهو، يضم : الليكود (28-29 مقعدا)، وشاس ويهوديت هتوراة (15-16 مقعدا)، وتحالف “الصهيونية المتدينة” (4-5 مقاعد). في مقابل القوائم التي أعلنت رفضها لاستمرار حكم نتنياهو : “يوجد مستقبل” (19-20 مقعدا)، ”أمل جديد” (9-10 مقاعد)، ”اسرائيل بيتينو” (6 – 7 مقاعد)، حزب العمل (5-6 مقاعد)، وحزب ميرتس (4 مقاعد)، و”كاحول لافان” (4 مقاعد) (في حال اجتاز نسبة الحسم)، والقائمة المشتركة (8-9 مقاعد). ومن المتوقع أن تكون قائمة “يمينا” (9-10 مقاعد)، حاسمة في تشكيل الحكومة القادمة.
السيناريو الاول : حكومة يمين ضيقة بقيادة نتنياهو :
• إمكانية تشكيل حكومة يمين ضيقة برئاسة نتنياهو تبدو واقعية، وهي الخيار المفضل لنتنياهو، ولذلك يركز جهوده للوصول الى المقعد الـ 61 لاقامة حكومة يمين – اصوليين ضيقة، بصورة مؤقتة ، تضم (الليكود، يمينا، الاحزاب الاصولية، والصهيونية الدينية)، وستشكل ورقة ضغط على مختلف أحزاب اليمين، لإجبارها لاحقا على الدخول لحكومة واسعة. ويتعارض هذا السيناريو مع رفض بعض الاحزاب الانضمام إلى حكومة نتنياهو، وتحفظ لبيد وليبرمان عن الانضمام الى حكومة بمشاركة المتدينين، اضافة الى ان نتنياهو سيصطدم نتنياهو بطموحات بينيت الذي يسعى لرئاسة الحكومة المقبلة بالتناوب مع نتنياهو.
السيناريو الثاني : حكومة بدون الليكود :
• تتمكن كتلة مانعة معارضة لنتنياهو من تشكيل حكومة، برئاسة لبيد، ساعر أو بينيت، بالتناوب، تضم: حزب "يوجد مستقبل" (18 – 19 مقعدا)، حزب أمل جديد (9-10 مقاعد)، حزب العمل (6 - 7 مقاعد)، اسرائيل بيتينو (6 - 7 مقاعد)، كاحول لافان برئاسة (4 مقاعد)، حزب ميرتس (4 مقاعد). أي ما مجموعه 52 مقعدا ، وهذا ما يتطلب الحصول على دعم خارجي من القائمة العربية المشتركة (8 - 9 مقاعد) او احزاب المتدينين (15 – 16 مقعدا).
• وتبدو فرص هذه الحكومة محدودة بسبب الصراعات بين مكوناتها، اضافة الى الدعم المطلوب من الاحزاب العربية ، وهو الامر الذي يحظى بدعم يائير لبيد ، ولكنه يلقى معارضة بينيت وساعر. والتحدي الاكبر هو من سيرأس الحكومة، حيث اعلن بينيت انه لن يكون في حكومة تحت قيادة لبيد، وكذلك كيف سيكون التناوب بين لبيد وساعر وبينيت؟. وهناك مشكلة اخرى تتمثل في ضرورة الحصول على دعم احزاب المتدينيين ، وهو الخيار الممكن من خلال (ساعر او بينيت)، اللذان يمكنهما أن يجتذبا تلك الاحزاب من كتلة نتنياهو، لتحقيق الاغلبية، حتى بدون دعم احد الاحزاب العربية.
أ– الاحتمال الاول : حكومة بقيادة يائير لبيد "هناك مستقبل":
• مع حصول هناك مستقبل "ييش عتيد" بقيادة يائير لبيد على 20 مقعداً، يصبح ثاني أكبر حزب بعد “الليكود”، ويتمكن بالاشتراك مع المعسكر المناهض لنتنياهو، من الحصول على 62 مقعدا (هناك مستقبل20، امل جديد، 10، كاحول لافان 4، العمل 6، اسرائيل بيتينو 6، يمينا 9، يهوديت هتوراة 7)، ومن دون ميرتس والأحزاب العربية. ويتعارض هذا الاحتمال مع العقبات التي سيواجهها لبيد في ضوء توجهات بينيت - ساعر لتشكيل كتلة برلمانية مشتركة
ب – الاحتمال الثاني : حكومة ساعر - بينيت :
• يعتزم ساعر وبينيت تشكيل اتحاد بين حزبيهما بعد الانتخابات، وإقامة كتلة برلمانية مشتركة، كي يقودا التشكيل الحكومي. هذا الاحتمال يتطلب زيادة مقاعد حزب ساعر الى 12 مقعدا ، حتى يتمكن من تشكيل كتلة برلمانية مع نفتالي بينيت تتجاوز قوة حزب هناك مستقبل بقيادة يائير لبيد. ووفق هذا الاحتمال يقوم نفتالي بينت وجدعون ساعر، بضم القوى الاخرى المحسوبة على المعسكر المعارض لنتنياهو، باستثناء الأحزاب العربية وميرتس، ويتم تشكيل كتلة موحّدة في الكنيست تسد الطريق أمام إمكانية تشكيل الليكود الائتلاف الحكومي القادم. وهو ما قد يشجع احزاب المتدينين للانضمام إلى حكومة تحت قيادة هذا التشكيل الجديد، خاصة ويمثل هذا التحالف خيار مقبول من المتدينين، وسيتكون هذا الائتلاف من (هناك مستقبل 20، يمينا 10 مقاعد، امل جديد 12، اسرائيل بيتينو 7، العمل 6، شاس 8، يهوديت 7، كاحول لافان 4)
السيناريو الثالث : انتخابات خامسة :
• اذا لم ينجح نتنياهو في الحصول على 61 مقعدا، وفشل الكتلة المانعة في حل مشكلة التناوب على رئاسة الحكومة ، فان اسرائيل ستجر الى حملة انتخابات اخرى في الصيف القادم. وسيبقى نتنياهو في منصبه رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية.
مؤشرات استراتيجية :
• أبرزت الحملة الانتخابية الحالية عمق الازمة السياسية في اسرائيل، ليس فقط على صعيد صعوبة حسم نتائج الانتخابات، وانما انتشار الصراعات بين الاحزاب حول مصير نتنياهو، وتراجع الاولويات السياسية على اجندة تلك الاحزاب، في صورة مشابهة للانتخابات في الكثير من دول العالم الثالث، ويبدو أن نبوءة المفكر الصهيوني المتطرف فلاديمير جابتونسكي وتخوفاته الاستراتيجية، تقترب من التحقق ، حيث كان يعتقد أن الحائط الحديدي الذي يفصل اسرائيل عن محيطها العربي ، يمثل أهم أسباب بقاءها. ويبدو أن التطبيع مع الدول العربي الذي اعتبره نتنياهو احد اهم انجازاته الاستراتيجية ، سيصبح أحد اهم كوارث اسرائيل ، الاخذة بالتمشرق، حيث تتعاظم أوجه الشبه بين الحالة الإسرائيلية والحالة السياسية العربية.
• ازدياد قوة تيار اليمين القومي الديني في اسرائيل سيؤدي الى حدوث أزمة في العلاقات بين إسرائيل ويهود العالم، وخاصة يهود الولايات المتحدة، حيث تتجذر اليهودية المحافظة. فقد كان النظام العلماني في إسرائيل قادراً على استيعاب التناقضات اليهودية، الا أن اليمين القومي الديني سيعزز الصراعات الطائفية، وهو ما سيؤدي الى الفرقة بين يهود إسرائيل ويهود العالم، ما ينذر بانحدار إسرائيل مستقبلاً كدولة شرق أوسطية بأغلبية دينية يزداد عداؤها مع قيم الديمقراطية ومنظومة القيم الغربية، وهو ما يطرح تساؤل حول مستقبل إسرائيل في ظل تنامي التيار الديني واتساع الهوة بينه وبين باقي فئات المجتمع.
• اصبحت المعركة الانتخابية داخل صفوف اليمين الإسرائيلي، من دون أن تكون هناك فوارق جوهرية بين المعسكرين، في قضايا الأمن والسياسة والاقتصاد. بل إن المعسكر المضاد لنتنياهو، تحت قيادة ساعر، يُظهر تشدداً أكبر لجهة دعم الاستيطان ورفض حل الدولتين، وتطبيق وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، سواء كانت داخل الكتل الاستيطانية أم خارجها، واصبح التنافس على تدعيم ، عامل جذب في البرامج الانتخابية للأحزاب الصهيونية.
• لطالما شكل العامل الامريكي، عنصرا مؤثرا في حسم الانتخابات الاسرائيلية، وتبدو واضحة مؤشرات توتر العلاقات بين ادارة الرئيس بايدن ونتنياهو، وتطور الخلاف الى تضارب السياسات، حيث اعلنت الادارة الامريكية عن ثلاثة مسارات لعودة العلاقة الأميركية مع الفلسطينيين، والتي تلخصت في عودة الدعم المالي والموقف من الاستيطان والعودة لحل الدولتين. حيث يتناقض المسارين الأخريين مع أفكاره السياسية. وفضلت الإدارة الأميركية عدم اجراء اتصال بين الرئيس بايدن ونتنياهو، نظرا لرغبة الإدارة عدم التدخل في الانتخابات، ويبدو أن الادارة الامريكية قد اتخذت قرارا بعدم دعم نتنياهو في الانتخابات، ويعتقد نتنياهو أن إدارة بايدن لن تدخر جهداً لإزالته، وهو يعمل كل ما بوسعه كي لا يسقط.
* باحث متخصص في الشؤون السياسية، نائب رئيس مركز الناطور للدراسات