بأقلامهم >بأقلامهم
«الأخوة الإنسانية» فى «الطريق الصعب»
د. ياسر عبد العزيز
فى 18 يونيو 2019، كتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش مقالا تحت عنوان «خطاب الكراهية نار سارية فى الهشيم»، وهو المقال الذى وردت فيه العبارات التالية:
«تجتاح الكراهية جميع أنحاء العالم فى مسيرة زاحفة، وتستهدف موجةٌ خطيرة من التعصب والعنف القائم على الكراهية معتنقى الكثير من الديانات فى أرجاء المعمورة. ومما يثير الأسف والقلق أن هذه الحوادث الأثيمة باتت مألوفة إلى حد بعيد. ففى الأشهر الأخيرة، لقى مصلون يهود مصرعهم فى المعابد وشُوِّهت شواهد قبور يهودية برموز الصليب المعقوف، وقُتل مسلمون فى المساجد برصاص حصد أرواحهم وخُرّبت مواقعهم الدينية، وأزهِقت أرواح مسيحيين وهم مستغرقون فى صلواتهم وأحرِقت كنائسهم.
وبخلاف هذه الهجمات المروعة، يتعالى خطابٌ بغيض موجّه لا للمجموعات الدينية فحسب بل ونحو الأقليات والمهاجرين واللاجئين والنساء وكلِّ من يُزعم أنه (آخر) أيضا. تزحف الكراهية مقتحمةً التيارَ الغالب سواء فى الديمقراطيات الليبرالية أو فى الأنظمة الاستبدادية، فتلقِى بظلال قاتمة على إنسانيتنا المشتركة».
تلك هى الأفكار الرئيسية التى عرض بها هذا المسؤول الأممى الرفيع تصوره لحالة الكراهية التى تستهدف أتباع الأديان وكل «آخر»، محذراً من شيوع أنماط الخطاب التى تغذى نيران الكراهية وميول التعصب، وتسهم فى تحول النزعات المتطرفة إلى أعمال عنيفة تزعزع أمن العالم واستقراره. بسبب هذه الحالة العصيبة والمربكة التى وصل إليها عالمنا، والتى تلقى بظلالها الكئيبة على حالة التعايش والتفاهم والسلم الإنسانى، برزت الأهمية الكبيرة لوثيقة «الأخوة الإنسانية» التى وقعها شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب مع فرانسيس الأول بابا الكنيسة الكاثوليكية، فى فبراير 2019، فى أبوظبى، والتى مثلت تجسيداً حياً للمقاصد النبيلة للأديان، وعكست حرص الرمزين الدينيين الكبيرين على معالجة هذه الحالة التى ينذر تفاقمها بعواقب وخيمة على السلم العالمى والتعايش الإنسانى. وقد جاءت الوثيقة لتؤكد أن «الأخُوة هى الرابطة العالمية للإنسان، تجمَع ما فرقته الديانة أو السياسة أو العنصرية، وتهدف إلى الاهتمام بالإنسان من دون النظر إلى جنسه أو نوعه»، وهو التوجه الذى يحتاجه العالم الآن، والذى أثبتته الوقائع، عندما ضربت جائحة «كورونا» الإنسانية كلها، بتداعياتها الخطيرة، التى لم تفرق بين إنسان وآخر، والتى استدعت تضامناً وتكافلاً عالميين وإنسانيين لمواجهة آثارها المؤلمة. وقد اكتسبت تلك الوثيقة أهميتها من صدورها عن هذين الرمزين الكبيرين، وتجسيدها لمبادئ المؤسستين الدينيتين المرموقتين، والتزامها إرادة التسامح والتوافق، ومطالبتها بوقف استخدام الأديان فى تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب، ودعوتها إلى المصالحة والتآخى بين جميع المؤمنين بالأديان، وكل ضمير حى ينبذ العنف البغيض والتطرف الأعمى.
لذلك، فإن الكتاب الذى صدر أخيراً باللغتين العربية والإنجليزية للقاضى محمد عبدالسلام، مستشار شيخ الأزهر السابق، وأمين عام لجنة «الأخوة الإنسانية» المنبثقة عن الوثيقة، تحت عنوان «الإمام والبابا والطريق الصعب.. شهادة على ميلاد وثيقة الأخوة الإنسانية»، يكتسب أهمية فائقة لكونه يعرض بأمانة ولغة رشيقة وتنظيم محكم مراحل إعداد تلك الوثيقة، وأبرز الأحداث التى مرت بها، فضلاً عن أنه يوضح الأساس الفكرى الذى انطلقت منه، ويؤصل لدور الأزهر فى ملف التسامح والتعايش الذى يعكس سويته الدينية والإنسانية والقيمية.
يمثل كتاب القاضى محمد عبدالسلام عن وثيقة «الأخوة الإنسانية» عملاً توثيقياً مهماً يكتسب المزيد من أهميته لكونه استطاع أن يؤصل لمراحل إعداد هذه الوثيقة العالمية وأن يربطها بمنابع فكر الأزهر ودوره ورسالته.