بأقلامهم >بأقلامهم
"نهاية ظالم..."!
"نهاية ظالم..."! ‎الأربعاء 16 07 2025 17:56 القاضي م جمال الحلو
"نهاية ظالم..."!

جنوبيات

لم تكن صيحةً في وجهه، ولا سيفًا يُشهر عليه، بل كانت سنّةً من سنن الله، تمضي إليه بخطى ثابتة، لا تستعجل أحدًا ولا تُخطئ أحدًا. إنها نهاية الظالم، التي لا تحيد، مهما راوغ، أو ظنّ أن الأرض مُلك يديه.

الظالم لا يسمع إلا صوته، ولا يرى إلا ظلّ جبروته. يمشي في الناس وكأنهم عبيدٌ خُلقوا لأجله، يُصادر أحلامهم، يلوّث أعمارهم، وينحت من وجوههم الخوف. يظنّ أن سكوتهم إذعان، وأن الصبر عليه رضًا، ولا يدري أن تحت الرماد جمرة، وتحت السكون هدير.

إن من أعجب ما في الظلم، أنه يحمل هزيمته في طيّه. هو مشروع سقوط منذ لحظة بَدئه، وإن تأخّر العقاب. يعلو صوته كالرعد، ثم يخبو فجأةً كأنه لم يكن، ويُطوى ذكره في دفاتر المذلّة، وتُنسى أفعاله إلا من باب العبرة.

انظر في صفحات التّاريخ، تجد أن الظالم لا يُدفن وحده، بل تُدفن معه هيبته، ويُجرّ خلفه لعنات لا تهدأ. أين النّمرود الذي بنى، وهامان الذي خطّط، وفرعون الذي قال "أنا ربكم الأعلى"؟ رحلوا وبقيت قصصهم خزيًا تتوارثه الأجيال.

وليس الظالم بالضرورة ملكًا أو طاغية، فقد يلبس الظلم ثوب أبٍ متجبّر، أو مسؤول خان الأمانة، أو صاحب مالٍ يستعبد الفقير، أو حتى كلمة جارحة قيلت استكبارًا. كلّهم في ميزان العدالة سواء، وإن اختلفت المراتب والأدوار.

إن النهاية لا تُقاس بهولها، بل بعدالتها. فقد يُدرك الظالم ظلمه في لحظة هشّة، حين يخذله ماله، أو يتبرّأ منه أنصاره، أو حين ينام فلا يصحو، كأن الأرض لفظته وأغلقت خلفه باب الرحمة. إنها لحظة ترتعد لها القلوب الحيّة، وتُعيد للعقول رشدها، وللضمائر يقظتها.

العدل لا يموت، وإن خفت صوته حينًا. يأتي كالمطر بعد سنين قحط، يروي القلوب العطشى ويغسل دروب الألم. ومن يظنّ أن الظالم سينجو، هو كمن يحاول الإمساك بالدّخان، أو تثبيت الرّمل في الرّيح. 
ومهما طال الليل، لا بد أن تشرق شمس العدالة، ولو بعد حين.

فليتذكّر كلّ من بيده سلطة، أو كلمة، أو قرار:
أن الكرسي لا يدوم، وأن اليد التي ترتفع ظلمًا ستُطوى ذلًا، وأن النهاية قادمة... قادمة لا محالة.

تلك هي نهاية الظالم...
وما ربك بغافل عمّا يعمل الظالمون.


القاضي م جمال الحلو

المصدر : جنوبيات