لبنانيات >أخبار لبنانية
الحساب الذهني بين الفئوية و"الاستمرارية من اللحم الحي" - بقلم وفاء ناصر
الحساب الذهني بين الفئوية و"الاستمرارية من اللحم الحي" - بقلم وفاء ناصر ‎الخميس 22 07 2021 21:07
الحساب الذهني بين الفئوية و"الاستمرارية من اللحم الحي" - بقلم وفاء ناصر

وفاء ناصر

لأن الأطفال هم مستقبل أي أمة والاستثمار الأول والأخير كما تقول ممثلة اليونيسيف في لبنان "يوكي موكو" يجب أن "تكون رفاهيتهم وحمايتهم أولوية قصوى لضمان الوفاء بحقوقهم تحت أي ظرف من الظروف". فما بالك بظروف وضغوطات صعبة تثقل كاهل الاهل وتجعلهم مقصرين تجاه أولادهم في تأمين حقوقهم الاساسية كالمأكل والمشرب والملبس بعدما حلّقت العملة الخضراء عاليا ولحقت بها أسعار السلع والمواد كافة حين انتهج تجارها أسلوب الدولرة. 

أسلوب خسيس ضرب عرض الحائط رغبة الأهل بتأمين الاحتياجات الأسرية من جهة ورغبات الأطفال وطموحاتهم المؤثرة في رسم مستقبلهم من جهة ثانية.

ولكي لا يواجه هذان العنصران ارتدادات الأزمة الصعبة التي تعصف بلبنان وحدهما تقتنص بعض الجهات المدنية والجمعيات الكشفية، التي تحاول الصمود تحت الضوء بإمكانياتها المتواضعة، المناسبات والاعياد وتقيم نشاطات ترفيهية وألعابا تنشيطية تفاعلية وتحفيزية لإعادة التوازن النفسي للأطفال بكلفة مجانية أو شبه مجانية. في حين يغرّد آخرون خارج السرب ويستقرّون على عتبة عائلات الطبقة المخملية أو من يقبضون رواتبهم بالدولار الأميركي. فيظهر التناقض وتتجلى الطبقية في أبهى حلتها.

بين هاتين الطبقتين كان ثمة طبقة وسطى يعتدل معظم المنتمين إليها في كل شي حتى طموحاتهم كانوا يفصّلونها على قياس إمكانياتهم كي لا يقعوا ضحية "الفشخة الكبيرة". غير أن الوضع الاقتصادي الصعب والأزمة المالية الخانقة جعلا أبناء هذه الطبقة عاجزين ماديا عن مشاركة أبنائهم في نشاطات ترفيهية روتينية اعتادوا على ممارستها.

"أطفالكم طاقة متحركة تمشي على قدمين، أحسنوا استغلالها ستدهشون العالم". لطالما ركّز مؤسس ومدير عام برنامج  Genius map الدكتور هادي حمزة على أهمية الحساب الذهني. شعاراته التي تزخر بها صفحاته جعلت الأهل يعجبون بهذا البرنامج ويتسابقون لتسجيل أبنائهم نظرا لفوائده الجمة. فهو يعزز الثقة بالنفس، يقوّي الذاكرة، يبني القدرة على التفكير، يعزّز مهارات الفهم والتحليل، يقوي التركيز السمعي والبصري...
هذه الفوائد التي تبرز الحاجة الملحة إليها في ظل تراجع المستوى التعليمي الذي تزامن مع انتشار وباء كورونا واعتماد تقنية التعليم عن بعد، تعترض الزيادة التي طرأت على كلفته إفادة الأولاد بها. بحيث ارتفعت قيمة الاشتراك في هذا النشاط في مرحلة سابقة من 105000 ل.ل. إلى 240000 ل.ل، وزاد سعر الكتب من 45000 ل.ل. إلى 96000 ل.ل. والsoroban من 24000 ل.ل. إلى 70000 ل.ل، ما جعله حكرا على الميسورين بعدما كان متاحا لكل الطبقات الاجتماعية. وبات الحديث عن الفئوية أمرا مشروعا يتعارض مع الشعارات الرنانة.

" زيادة ال25% باللبناني كان يجب أن تزيد على سعر صرف 3900 ل.ل. غير انه خلال اجتماع مع مدراء المراكز في لبنان تم النظر في وضع الأهل الذين لم يعد لديهم قدرة على التحمل. وبتنا أمام خيارين إما الاقفال وإما الاستمرار من اللحم الحي".
يبرر مدير عام برنامج الحساب الذهني بأن الزيادة البسيطة التي كان يجب أن تتم منذ شهر 10 من العام 2020 هي بمثابة بحصة تضمن الاستمرارية وهي لا تغطي 10% من معاشات الموظفين الإداريين والمشرفين.

وهو إذ يشدد على أهمية التعاون بينه وبين الأهل يرفض أن يكون البرنامج حكرا على طبقة اجتماعية أو فئة معينة معللا بالقول "أنا آخر واحد بهالدني بينقلي هيدا الموضوع صراحة".

أما عن ارتفاع الأدوات والكتب الخاصة بكل مرحلة من مراحل برنامج الحساب الذهني يتحجج الدكتور هادي بأسعار الكتب النارية في المكتبات اللبنانية "اذا حدا بلاقي كتاب حقه تحت ال10$ يقلي"، موضحا أن ثمن كتاب Genius map هو 20$ ولا يتم تسعيره حسب سعر السوق. أما ثمن الSoroban فهو محدد من الخارج وليس من لبنان ورغم ذلك يبيعها بسعر زهيد.

"نحن نتعاطى مع الاجانب، كل ما له علاقة بالتطبيقات والكتب والمسابقات الدولية والشهادات نحاسِب عليه بالدولار أما كل ما هو محلي فنتعامل معه باللبناني".

إذا ما قارناها بسعر الدولار في السوق السوداء تبدو الاسعار منطقية ومتوافقة مع كلام الدكتور هادي بأن المؤسسة خفضت كل الأسعار بهدف الاستمرار ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية ارتفعت قيمة الاشتراك إلى 350000 ل.ل. اي بما يعادل ثلاثة أضعاف القيمة الاولية تقريبا وما لبثت ان انخفضت جزئيا، ما دفع ببعض المراكز المتعاقدة مع هذا البرنامج إلى وقف العمل به آنيًّا ليس لتغيير نسبة الارباح المتفق عليها سابقا بل لعدم قدرة الأهل على المضي بهذا الأمر في ظل الاوضاع المتردية.
فكيف وأين يمكن لرب أسرة أو معيل يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية أو يزاول مهنة حرة أن يصرف هذا الكلام المعسول؟ وما مصير النجوم الذين رفعوا اسم لبنان عاليا في المسابقات الدولية بعدما عجز أهاليهم عن تسديد تكلفة طموحهم المادية؟ والسؤال الذي يطرح نفسه بديهيا، ماذا عن مصير هذه المؤسسة، وهل تصبح الفئوية والطبقية خيار الاستمرار الاوحد؟

المصدر : جنوبيات