بأقلامهم >بأقلامهم
اقتراب أوسلو من العقد الثالث على ميلاده(2/3)
...وفي تجلي الوضوح للطبيعة العقلية الإستعمارية التي مازالت تحكم وتتحكم وتسيطر على مجتمع دولة الاحتلال السياسي - العسكري والأمني- والمدني ذلك المتصل بالتصريح لوزير الحرب في دولة الإحتلال " اسرائيل لديها خلاف أيديولوجي عميق مع السلطة، لكن الجانبان مهتمان بالسلام والإستقرار" فبرغم إدراكه لوجود الخلاف الايديولوجي ما بين بيئة دولة الإحتلال كدولة إستعمار وتمييز عنصري وبيئة المجتمع الفلسطيني كجماعة تؤمن بوعي مجتمعي كلي ووجدان جماعي بضرورة الخلاص من الإحتلال وتجسيد الحرية بكافة مناحي ومرافق حياة الفلسطينيين، إلا أن هذا الوزير وجد ان المشترك وسط الخلاف في الأيديولوجيا من حيث الأفكار والثقافة والاهتمام من الجانبين بتحقيق السلام والاستقرار، ويبدو من هكذا تسويق لشعار السلام والاستقرار أنها عودة للبواعث التي جلبت اتفاق اوسلو من جهة دولة الاحتلال.
فالسلام بعد هذه العقود من توقيع اتفاق اوسلو تبين وتوضح سلوكا وسياسات أنه كل ما يعني بقاء الاحتلال وتجسيد مصالحه على حساب ووجود الطرف الأخر من تناقض الأيديولوجيا والوجود السياسي لكيان دولة الإحتلال، وأن هذا السلام الشعار المبثوث في توقيع اتفاق اوسلو تأتي بترجمته هذه الأيام بما فعله الإحتلال من تفريغ لكل مقومات صيغة وأهداف هذا الإتفاق من حيث الذهاب لإنهاء الصراع وفق محددات هذا الإتفاق، وهذا المحدد في الإتفاق الذي تحول وفق سياسة الإحتلال إلى مسار آخر يجسد ذاته بإيجاد إدارة للصراع عوضا وبديلا عن نهاية لهذا الصراع.
وقد يكون في محدد آخر الذي أعتمد عليه اتفاق أوسلو كنتيجة وغاية هو تحقيق الفصل ما بين شعبين وإيجاد دولة لشعب منع من إقامة دولته وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، أي أن الفلسطيني ومنذ عام 1947 وهو في مسعى لإقامة هذه الدولة وبغض النظر عن مجمل هذه الأسباب التي آلت إلى هذه النتيجة فإن الواقع أن الفلسطيني بقي دون دولة وعملت دولة الإحتلال على تغيير جذري وشامل لمعنى السلام، ومن الطبيعي أن تكون الجماعة التي تعاني من الإحتلال هي التي تسعى لتحقيق السلام ولا يوجد تعريف للسلام لديها سوى الخلاص والإنعتاق من الإحتلال، والسلام هو الدافع الوحيد لوجود الإستقرار وليس القتل والهدم وتواصل الإحتلال وتبريرات وجوده، ولعل في صلب استكمال الإهتمام بحسب تعبير هذا الوزير فأن التناقض القائم على أسس ثقافة وأفكار كلا الجماعتين متناقض ولا ينسجم مع مضمون ومفهوم الإهتمام بتحقيق تلك المصطلحات (السلام والإستقرار).
قد يكون الشعب الفلسطيني حافظ على ميزة عدم السقوط على قاعدة أن الضعيف يسير في ركب القوي كقاعدة في علم الإجتماع الإنساني، وإذا كانت هذه القاعدة قادرة على تفسير سلوكيات الجماعات الضعيفة التي وقعت رهينة سلوكيات الجماعات التي حكمتها وكانت أقوى منها، غير أن اتفاق أوسلو حتى اللحظة استطاع أن يجعل الفلسطيني كجماعة متأثرا ومرتبطا بتلك السياسات التي جاءت ما بعد اتفاق أوسلو والتي حولت مضمون هذا الإتفاق إلى يافطات تحمل الوهم وتبرر لوجود الإحتلال وتجعل من عامل الزمن فرصة متاحة لدولة الإحتلال للقيام ببناء بعض الوقائع على الأرض، وبالنتيجة لا يوجد هناك ما يمكن ان يسمى بالإجماع النسبي ولو كان البسيط على ثقة الفلسطينيين بأن أي اتفاق مع دولة الإحتلال سيكون يحمل الجدية أو أنه يستطيع معالجة الواقع بتحدياته القائمة بفعل الإحتلال، لذا كان التعاطف والإلتفاف الشعبي خلف الأسرى في الحادثة الأخيرة (نجاح الأسرى الستة في اسقاط منظومة أمن سجون دولة الإحتلال) أكبر من أي حدث أو إهتمام لأي لقاء مع أي شخصية أسرائيلية وبأي مستوى، وبفعل هذا الواقع برز دور الفعل الفردي المتكرر من قبل الفلسطينيين في فئة الشباب، وإن دل هذا فهو يدل على مجموعة مستقرة من الأفكار المتحولة إلى ثقافة ( الإيديولوجيا) بأن المواجهة والإشتباك أمر واجب في مخيلة جيل لم يرى توقيع اتفاق أوسلو أو حتى أنه لم يقرأه ولم يعنيه يوما، لأنه لم يرى من نتائج هذا الإحتلال سوى مزيدا من استراتيجيات وسياسات يقوم بها الإحتلال لمعاقبة الكل الفلسطيني في مسعى تأبيد وإطالة عمر الإحتلال.
وإن مجتمع دولة الإحتلال في الشق الآخر قد تأثر بهذه السياسات التي جاءت وبنيت ومورست من قبل المجتمع السياسي والحزبي في هذا الكيان، وهذه السياسات بمجملها كان عاملها الأساس تعطيل وتفريغ اتفاق أوسلو من محدداته ومضمونه ومنع الوصول لنتائجه التي تم التوقيع عليه للوصول إليها ( منع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حل الدولتين- المزعوم) وقد ظهر تأثر هذا المجتمع بصعود وتنامي اليمين الديني المتطرف ووصوله في العقد الإخير إلى مؤسسات مهمة في دولة الإحتلال مثل المؤسسة العسكرية والقضائية وغيرها من المؤسسات، وغرق هذا المجتمع بالكراهية وتبنيه بشكل جماعي وكلي لكل ما يعبر عن التمييز العنصري، وسيطرة جماعة أطراف اليمين المتطرف على توريط كل المجتمع بمشاريع الإستيطان الإستعمارية في الضفة الفلسطينية (ما بعد الإنسحاب أحادي الجانب الذي قام به جنرال الحرب أرئيل شارون) وتوسع التهويد في مدينة القدس وتبني استراتيجيات مستقبلية تستهدف المدينة ومشاريع كبرى قائمة على الإستيطان وسلب الأراضي وتفريغ القدس من سكانها وأصحابها الفلسطينيين والتي تعرضت لعدة مشاريع خطيرة تقوم بأساسها على تفريغ المدينة من الفلسطينيين وتعزيز الوجود الديني اليهودي بها وتبني مجموعة من المشاريع التهويدية طويلة الأمد كمشروع 5800 والذي سيكون سقفه الزمني لعام 2050 وما به من مخططات إستراتيجية تجعل من القدس عاصمة اليهود في العالم وليس في دولة الكيان.
يبدو أن وزير حرب دولة الإحتلال قد جاء اليوم متأثرا بعطش مجتمعه للبدلة العسكرية والأيدي التي تحمل دم الفلسطينيين ليعطي للوهم في مؤسسته الأمنية والعسكرية أن عامل الوقت مازال يمكن العبث به وإطالة أمد الصراع على فرضية ان مجتمع دولة الاحتلال قادر على الحفاظ على ميزة التفوق العسكري والأمني لحماية مصالح الإحتلال والإستعمار في الأراضي الفلسطينية ومؤكدا بهذا الوهم ان مؤسسته الأمنية التي صدمت إبان اندلاع الأنتفاضة الأولى وصدمت من بطولات وعمليات قام بها أبطال من الجيل الصاعد في المجتمع الفلسطيني، قد تكون لم تأخذ الدروس من هذه الصدمات سواءا الكبرى ( التي غيرت في استراتيجيات وسياسات) او الصغرى التي أسقطت منظمات امنية معقدة ومعتمدة على آخر ما توصلت له التكنولوجيا، يبدو أن أسباب حاجة هذه المؤسسة لصدمة كبرى أخرى هو ما يغلف عقليتها الأمنية والعسكرية من وهم أنهم سيستطيعوا أن يجعلوا الفلسطيني يتقبل التعايش مع الإحتلال، ولعل هذا المرتكز الأساسي الذي حولت دولة الإحتلال إتفاق أوسلو إلى ما هو عليه، غير ان الواقع الطبيعي يدلل على استحالة حدوث هذا التعايش حتى وإن جاء تحت يافطة متناقضة تحمل مصطلحي السلام والإستقرار