بأقلامهم >بأقلامهم
"الفرج آت..."!



جنوبيات
في عمق كلّ ضيق، ينبضُ وعدٌ خفيّ بالفرج، ولو خُيّل للمرء أن الأبواب قد أُوصدت، وأن الدروب التوتْ، وأنّ الظلمة امتدت في كلّ اتجاه. ذلك لأن سنّة الحياة لا تعرف الجمود، وسنّة الله في خلقه أن بعد كلّ عسرٍ يُولد يسرٌ، وبعد كلّ شتاءٍ يطلّ الربيع، وبعد كلّ دمعةٍ تُشرق بسمة، وإن طال الانتظار.
لقد كتب الله على عباده الابتلاء، لا ليعذّبهم، بل ليطهّرهم ويصقلهم. والشدائد لا تأتي لتدمّر، بل لتبني، لا لتكسر القلوب، بل لتكشف معادنها، وتُظهر من يصبر في زمن الفتنة، ويثبت في لحظة التيه. وقد قيل: "إن أعظم البلاء يعقبه أعظم العطاء"، ومن يتأمل سير الأنبياء، يرى أن الفرج كان يأتي دائمًا بعد أشدّ اللحظات حلكةً وظلمة.
تأمّل في قصة يوسف عليه السلام، حين أُلقي في الجب صغيرًا، ثم بيع عبدًا، ثم زُجّ به في السجن ظلمًا، حتى إذا اشتدّ الظلام، بزغ نور الفرج، وخرج من السجن عزيزًا مكرمًا، حاكمًا لا محكومًا. ولو أنه جزع أو قنط، لما رأى النور يشرق في نهاية النفق.
وكذا حال يعقوب، حين فُقد يوسف، ثم فُقد بنيامين، وابيضّت عيناه من الحزن، حتى قال: "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله"، فإذا بالفرج يأتي دفعةً واحدة: يوسف، وبنيامين، والبصر!
إن الفرج لا يُقاس بساعاته، بل بإيمانه. من وثق بوعد الله، رأى رحمته قبل أن تأتي، ومن ظلّ ينظر إلى السماء واثقًا، لا يطأطئ رأسه لليأس، كافأه الله بما لا يخطر له على بال. فإن الله لا ينسى عباده، ولا يتركهم في الضيق دون حكمة، وإن طال الانتظار، فإنما هو لخيرٍ خفيّ، يُراد له أن ينضج في أوانه.
في زمنٍ تتقاذفه المحن، وتتكالب فيه الهموم، تذكّر أن الفرج آت، ما دمت تؤمن أن الله معك، وأن كل ما تمضي فيه ليس إلا تمهيدًا لما هو أجمل. اصبر، وقل: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم"، فربما كان الحزن طريقًا للفرح، والمحنة جسراً للمنحة.
فلا تستبطئ الفرج، ولا تظنّ أن الله غافل، بل هو أقرب إليك مما تظن، يسمع أنينك في صمتك، ويعلم ضيقك وإن لم تُفصح. وها هو يقول: "وبشر الصابرين".
فابشر، لأن الفرج آت... آت لا محالة.