بأقلامهم >بأقلامهم
كلفة الحرب أقلّ من كلفة الاستسلام.. سوريا الجريحة نموذج حيّ!



جنوبيات
ما كان وهماً صار واقعاً، وما كان تهويلاً صار حقيقة مرّة يصعب تصديقها، لكنّها ماثلة أمامنا، وأعمّه من لا يريد أن يصدّق، أو هو متواطئ مع مشاريع العدو بخلفيّة عصبيّة تعمي القلوب قبل الأبصار.
ضاعت سوريا، الّتي قال فيها «هنري كسنجر»: «لا يمكن بناء نظام إقليميّ مستقر في الشرق الأوسط من دون إشراك سوريا أو تحييدها على الأقل».
وقد تمّ تحديد سوريا، ولكن كيف؟!
بالعودة إلى بداية الأحداث في سوريا، وبعد ما فرزته من مآسٍ وفظائع ودماء ودمار، يمكن الجزم بأنّ الأميركيين رسموا هذا المسار بخبث مقصود، ولو أرادوا إزاحة الرئيس السابق بشار الأسد بالقوة لأزاحوه عن الحكم خلال أشهر، لكنّ المشروع أكبر من تغيير نظام أو استبدال رئيس بآخر، الهدف تفتيت السوريين من الدّاخل قبل تقسيمها إلى كانتونات طائفيّة.
ثلاثة عشر عاماً من الصّراع بين السّوريين، وعليهم، انتهت إلى الواقع الّذي تريده أميركا.
نفوس مشحونة بالخوف والغضب والحقد والكراهية، أمان مفقود واقتصاد منهار وجيش مفكّك وجماعات منعزلة في قراها ومدنها، وحاكم على الرقاب محكوم بلعنة السلطة، ولو على حدود قصر الشعب، يطلّ منه على أطلال بلد مفتّت، ويحاضر في الثورة والتعايش والسلام، بينما تعيث مجموعات إرهابيّة متحالف معها ومتحالفة مع أفكارها التفكيريّة ومعه وضدّه وضدّ كلّ من يخالفها الرّأي، ولو كان الخلاف على فتوى شرعيّة من إمام أفتاها قبل قرون.
يغضّ الشّرع النّظر عن كلّ ذلك، يخلع بذّته العسكريّة ويرتدي ربطة عنق تناسب الدّور الجديد الّذي درّبه عليه «روبرت فورد» السفير الأميركي السابق في سوريا، كما أعلن هو صراحة قبل أشهر.
أريد للشّرع أن يكون رئيساً صوريًّا لسوريا موحّدة نظريًّا، وأن يطوي صفحة سوريا «الممانعة» ويفتح صفحة سوريا «المطبّعة»، وفعلاً، فعل كل ما طلب منه، ولم يخذل داعميه بكلمة.
أعلن رغبته بالسّلام مع «إسرائيل» الّتي يجمعه معها أعداء مشتركين، والمقصود إيران وحلفاؤها، ولم يستنكر توغّل دبّاباتها حتّى أعتاب دمشق، ولا استيلائها على جبل حرمون، بل أبدى مرونة حيال تسوية تمنحها الجولان المحتل، وأقفل خطوط إمداد المقاومة إلى لبنان وفلسطين، وأغلق مكاتب حركات المقاومة الفلسطينية، وتعهّد بأن لا تكون سوريا منطلقاً لأي أعمال «عدائيّة» ضدّها.
- وماذا بعد؟ ماذا تريدون منّي لأفعل؟!
- انتهى دورك، انتظر الآن وشاهد ما سيحدث.
بدأت «إسرائيل» أمس هجوماً كبيراً على دمشق، دمّرت مبنى هيئة الأركان، واستهدفت القصر الرئاسي بحجّة حماية الدّروز والانتقام لما قامت به مجموعات الشّرع في السويداء من تنكيل وإهانة للمشايخ ورموز الطّائفة المؤسّسة لسوريا الموحّدة.
هكذا، صارت «إسرائيل» ملاذ الأقليّات وحامي الكرامات، وصار «نتنياهو» رسول حبّ وسلام ووئام.
أمام هذا النموذج الحيّ الّذي نشاهده هل سيبقى من يسأل عن جدوى المقاومة وضرورة بناء وتطوير مصادر القوة؟!
يقول «وينستون تشرشل» (رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية): «هذا هو الدّرس: لا تستسلم أبداً، لا تستسلم أبداً، أبداً، أبداً، أبداً في أيّ شيء، كبير أو صغير، كبير أو تافه، لا تستسلم أبداً إلّا لقناعات الشرف والفطرة السليمة، لا تستسلم للقوّة، لا تستسلم أبداً لقوّة العدو الساحقة».
ويقول «تشرشل» في مكان آخر: «إذا اخترت العار لتتجنّب الحرب، فستحصل على العار والحرب معاً».
أمّا «شارل ديغول» (رئيس فرنسا سابقاً) فيقول: «الاستسلام للعدو لا يحقق السلام، بل يؤسس لحربٍ دائمة داخل النفوس».
هذه اقتباسات من شخصيات غربيّة، من بريطانيا وفرنسا اللّتين قسّمتا المنطقة حسب مصالحهما وفق اتفاقيّة «سايكس بيكو»، فبعض اللّبنانيين يستنكف من خطاب قادة المقاومة، ويعتبرها ثقافة خشبيّة آتية من عصور ظلاميّة.
أمّا نحن، فلنا قادة قدوة رسموا لنا الطّريق قبل أن نتعلّم المشي، لنسير على بصيرة من أمرنا ولا تلتبس علينا المنعطفات ولا نضيع في مستنقع الشّبهات، وهذا الإمام موسى الصّدر، مؤسّس فكرة المقاومة وزارع فكرتها يقول لنا: «لا نريد الحرب، لكنّنا لا نقبل أن نُذلّ، كرامتنا لا تُشترى، ولا تُؤخذ بالتّمنّي».