فلسطينيات >داخل فلسطين
اقتراب أوسلو من العقد الثالث على ميلاده (3/3)
اقتراب أوسلو من العقد الثالث على ميلاده (3/3) ‎السبت 18 09 2021 10:55
اقتراب أوسلو من العقد الثالث على ميلاده (3/3)

ياسر المصري

لقد تملك الفلسطينون حلم الدولة ودفعوا في سبيل ذلك الكثير من الأثمان بتضحيات محمولة على سحابات العذابات في المنافي والشتات وفي مقاصل التبدلات والمصالح الكونية والإقليمية، وقد يكون من عمق تضحياتهم السياسية تخليهم عن التحرير في مقابل الإستقلال والقبول بمبدأ الدولة المستقلة التي تجسد معنى الحل على أساس الدولتين، وقد ظهرت حاجة دولية لتحقيق هذا الحل ما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وما كانت منظمة التحرير قد تعاطت معه من قبول ضمني للقبول وبالإتجاه للتوافق سياسيا مع قرار مجلس الأمن 242 والذي في مضمونه وسياقاته أن تحتفظ دولة الإحتلال بما خلقه الواقع ما بعد الرابع من حزيران من العام  1967من أراض ومبررات أمنية لحدودها ومصالحها الحيوية في العبور الآمن في المياه الإقليمية والدولية، وتم القفز عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 والذي شرع دوليا قيام دولة الإحتلال آنذاك، ونص على إيجاد الدولتين (اسرائيل وفلسطين) وهو الحل الذي صاغه المجتمع الدولي آنذاك ما قبل تفجر الصراع، ليصبح ما بعد الصراع ما أسس عليه اتفاق أوسلو ما سمي بواقعيته السياسية بالحل على اساس الدولتين، وقد تكون الفترة ما بين عامي 1947 و 1967 حدثت وقائع منعت من قيام الدولة الفلسطينية الواقعية التي كانت تعبر عن إرادة المجتمع الدولي لقيام مثل هذه الدولة بتحقيق المصير للشعب الفلسطيني آنذاك، وفي مجمل هذه الوقائع تطور الصراع وتمدد وأخذ منحى في الرأي العام الدولي والرأي العام في دولة الإحتلال وما فاقت عليه من صدمة حدوث واندلاع الأنتفاضة الأولى وما تلاها من انهيار الاتحاد السوفيتي، وعلى كل هذه العوامل ودلالاتها جاء الظرف السياسي لوجود اتفاق أوسلو.

ومنذ تنفيذ جزء من هذا الإتفاق وبدأ المرحلة الأولى سعت دولة الإحتلال كيانا ومؤسسات على تعطيل استحقاقات هذا الإتفاق من الجانب المتعلق بدولة الإحتلال، وشهدت هذه المرحلة التالية لتنفيذ هذا الإتفاق حدوث البدء بالتغيرات العميقة في المجتمع الفلسطيني وبنية تنظيماته السياسية والاعتقاد الذي ساد في وسط المؤسسات التي بدأ الفلسطينيين بإنشائها بأن التحرير قد تم وأن الإحتلال أصبحت مصالحه بعيدة عن نجاحات قيام المؤسسات الفلسطينية وتشكيل ما أصبح البعض يتجاوز الحقيقة الواقعية به بأن هناك نظام سياسي ينشأ مع نشأة هذه السلطة المقيدة بكل قيود أوسلو وغيره من التحديات الداخلية في البنية الناشئة والحديثة، ومن هنا كان مدخل الإحتلال لمحاولات عديدة لإحكام سيطرته على كل هذا المكون الناشئ ولعل التصريحات التي أطلقها أكثر من مرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس" بأننا سلطة دون سلطة" تستطيع أن تفسر الواقع القائم ما بعد سنوات من التوقيع والبدء بتنفيذ اتفاق أوسلو، ولعل أخطر ما جعل الواقع بهذا الشكل هو ان الفلسطيني ما زال ينفذ كامل إلتزامته بهذا الإتفاق حتى بعد ان قتله وتجاوزه المجتمع السياسي والأمني في دولة الإحتلال، ولعل هذا المشهد لعوائد هذا الإتفاق فلسطينيا لا يمكن وصفها إلا بأثمان تستدعي واقعيا التوقف عن دفعها في ظل واقع البرنامج والخط السياسي الفلسطيني  الذي تميز بوضوحه وواقعيته المطلقة في مرحلة موت هذا الإتفاق إسرائيليا وتجاوزه إلى فضاء آخر مخالف تماما لما قام عليه هذا الإتفاق من حيث المبررات والمحددات والنتائج، فطالما أن هذا الإتفاق أصبح واقعيا ظاهرا وعمليا بتأكيد عدم قدرته على تحقيق قيام الدولة الفلسطينية وأن المؤسسات الناشئة بفعل هذا الإتفاق هي منقوصة في دورها الذي كان عليها ان تقدمه من حيث أن تكون جاهزة لتحتل مكانة ودور مؤسسات الدولة المرتقبة وأن هذه المؤسسات خاضعة لقيود اتفاق أنقلب عكسيا على واقعية القدرة والعمل، وطالما أن أعظم طرح يمكن للنخب السياسية التي قد تميل بإتجاه الحديث عن فرص إعادة التفاوض مع الفلسطينيين يتحدون بلغة الحفاظ على الأمن والعمل على تنمية إقتصادية تلامس حياة المواطن الفلسطيني وتعطي للسلطة مدى آخر من دون البحث عن امل لتحقيق تقدم في طريق إحياء ما سمي سرابا حل الدولتين، فإن الواقع المنشطر عن هذه الأفكار لا بد وأن يعني تحويل الواقع إلى إدراة للصراع تقوم بمرتكزها الأساس على تحقيق واقع التعايش مع الإحتلال دون الإعلان عن ذلك صراحة.
وإن الأفكار والسياسات القائمة على مرتكزي الأمن والإقتصاد هي قفز عن الأولويات وتبديل لها بثانويات أقل بكثير من محاولة القراءة الحقيقية والواقعية للواقع الذي يتحرك بداخلها الفلسطيني، لأن الأصل والجوهر في كل مشاكله وأعظم التحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني على كل الأصعدة والمناحي هي مشكلة وتحدي وجود الإحتلال، وما يقوم به الإحتلال من بناء مصالح له على حساب مصالح شعب كامل، وإن عقلية الإحتلال طالما أنها هي التي تحكم هذا المجتمع السياسي والأمني والمدني في دولة الإحتلال فأن الأيديولويجيا ( الثقافة والإفكار التي وصفها وزير حرب دولة الإحتلال والتي سببت الخلاف العميق في الأيديولوجيا مع السلطة الفلسطينية على حد وصفه)  لديهم ستبقى رهينة مرتكز أساسي يقوم على أساس ضرورات السيطرة، وهم بذلك لن يكون فيهم جنرال ليتقدم إلى السلام وفق الثقافة والأفكار المتعلقة  بالفلسطينيين رغم قدرتهم ( دولة الإحتلال ومجتمعها العنصري والإحتلالي) على تصدير ألف جنرال حرب وقتل وسلب وسطو.

وبناءا على ما تقدم فقط، لا يمكن البناء على تصريح وزير حرب دولة الإحتلال سوى أمرين لا بد من الوقوف عليهما بعد أقتراب عمر اتفاق أوسلو العملي لما يقارب العقد الثالث:

الأول : هم ( دولة الإحتلال بكل مكوناتها السياسية والمجتمعية) يريدوا منا نحن ( الشعب الفلسطيني بكل آماله وتضحياته وهويته ووجدانه ووعيه) لأن نتغير ونقبل بالإدارة للصراع والتعايش مع وجود الإحتلال.

الثاني : هم ( بوصفها السابق) لم يتعلموا من الواقع ولم يأخذوا منه العبر والضرورات الواجبة، ويقفزوا حتى يومنا هذا إلى اوهام متعددة متعلقة بنحن ( وفق الوصف السابق ) بأن الوقت سيقتطع من الوعي ويساعد على كيه ويفتح فرص فرضية ساقطة منذ تخيلها بأن الإستسلام سيأتي يوما ما، ولعل في هذا التصور صورة متجلية تظهر حقيقة أن الصراع يقوم على طبيعة التناقض وتمدده حتى في الأيديولوجيا والمعتقدات.

وما بعد كل هذه العقود على توقيع اتفاق أوسلو وما خلقه من تحديات واقعية معاشة بشكل يومي، فإن المشهد مازال يؤكد أن الفلسطيني اليوم ورغم كل هذه القيود والتحديات الداخلية والخارجية متفوقا في أيديولوجيته ( الثقافة والأفكار) التي جعلت الشعوب من مختلف أرجاء المعمورة تلتف أكثر حول قضيته ومعركته اليومية والسياسية، وقد دللت على ذلك حملة التضامن الشعبية الدولية في الجولة الأخيرة قبل أشهر،  ومن المؤكد أن هذه الشعوب لم تتضامن وتعلن تضامنها بأبعاد المصالح مهما كانت هذه المصالح بل جاءت إنحيازا لقيم حية متعلقة بالحرية والعدالة ( يتميز بها نحن) وبما تمثله من مواجهة لقيم أخرى متعلقة بالإستعمار والظلم والإحتلال والتمييز العنصري ( يتميز بها هم).