مقالات مختارة >مقالات مختارة
العلاقات السعودية - الإيرانية والصراعات في المنطقة
العلاقات السعودية - الإيرانية والصراعات في المنطقة ‎الجمعة 5 11 2021 09:34
العلاقات السعودية - الإيرانية والصراعات في المنطقة

الدكتور أحمد البوقري

تكشف البيئة الإستراتيجية في الشرق الأوسط ربطاً بالصراع الدائر بين المحاور التي تنازعها، عن تأثير أكثر من لاعب إقليمي على المشهد الداخلي في لبنان بحيث يسعى كل فريق لتعزيز مكانته ووزنه على الساحة اللبنانية بهدف التأثير والتحكم في مجريات الأحداث ورسم مساراتها في المنطقة، وليس سراً أن التركيبة الطائفية الهشة للبنان تجعل منه موطئ قدم لتداخل مصالح اللاعبين الأساسيين على الساحة الإقليمية، بحيث يسعى كل فريق إلى تكريس هيمنته، ومحاولة تحقيق مشروعه بما يخدم مصالحه الحيوية على الساحة الدولية والإقليمية.

ليس التوتر الحاصل اليوم في العلاقات السعودية - اللبنانية، والذي انسحب على معظم دول مجلس التعاون الخليجي، التي وقفت مع المملكة العربية السعودية وأعلنت تضامنها معها. إلا انعكاس للتنافس المحموم بين إيران التي تحاول تفرض هيمنتها السياسية على شبه الجزيرة العربية بشكل خاص ودول العالم العربي والإسلامي بشكل عام، وذلك من اجل تسييل قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتصاعدة في مواجهة الولايات المتحدة و«إسرائيل» وبين السعودية التي تعتبر أن إيران تحاول أن تلعب في عمقها الحيوي وأحداث تلاوين جديدة وتغييرات جوهرية في منطقة الخليج العربي والعالم العربي والإسلامي.

مهما يكون نوع هذا الصراع، ومهما كانت أبعاده ومراميه، والذي وصل إلى حد اتخاذ لبنان ساحة لتبادل الرسائل الساخنة بين الطرفين، وذلك على حساب مصالحه واستقرار أمنه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والذي سينتهي في آخر الشوط بتسوية سياسية. فإن المستفيدين الأساسيين من هذا المشهد المعقد هما «إسرائيل» والولايات المتحدة والأميركية، واللتين تسعيان إلى توظيف الخلاف السعودي الإيراني واستثماره في أكثر من ملف في المنطقة.

فالإسرائيلي يجد في التقارب مع دول الخليج وإقامة علاقة معها، تعويضاً له عن تدني الوظيفة الإستراتيجية لسلاحه، وفقدانه لقدرته كعصا غليظة، كانت تناط بها مهمة تأديب الشعوب والمجتمعات الخارجة عن الإرادة والمشيئة الأميركية.

ما يمكن تلمّسه من خلال التطورات التي جرت في اليومين الماضيين أن الخلاف السعودي - الإيراني ما زال محتدماً وأن الفريقين ما زالا يحاولان تجميع أوراق القوة في مواجهة بعضهما البعض، وذلك في سعي إلى تحقيق توازن استراتيجي بينهما.

لعل ما وقعنا عليه من تدخل الطرفين وبشكل حاد في الساحة اللبنانية بعد الأزمة الأخيرة التي أحدثها تصريح الوزير جورج قرداحي، والتي لم تنتهِ بالرغم مما قدمته الحكومة اللبنانية من توضيحات تدعو إلى التأمل في ألأوضاع الداخلية الحاكمة لدول الخليج العربي. وإلى السؤال عن هذا القلق ألذي يؤرقها ويدفع بها إلى التحوط والحذر من أشياء عابرة لا تقدم ولا تؤخر في مصالحها العليا كالتصريح الذي أدلى به الوزير «قرداحي قبل أن يكون وزيراً.

لا شك أن المشكلة تكمن في التعاطي عند كل من إيران ودول الخليج العربي، والذي لم يعد متوفرا لهما في ظل هذا التنافس القائم إلا خيارين: إما الحرب وأما الاتفاق.

وبما أن خيار الحرب له مخاطر كبيرة وهو خيار غير مرغوب فيه إقليميا ودولياً لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية، والتي ترى أن من مصلحتها الاستمرار في استنزاف دول الخليج مالياً واقتصاديا بحجة تأمين مظلة حماية لها من الخطر الإيراني. فإن الطرفين مدعوان إلى الوصول سريعاً ألى تفاهمات تنهي هذا الصراع القائم بينهما، والذهاب إلى تبني خيارات أخرى من شأنها أن تريح الساحة العربية وتجعلها أكثر قدرة ومناعة في مواجهة مشروع صفقة القرن ومشروع التطبيع مع «إسرائيل». وأخيرا نقول لإيران أنها مدعوة لتهدئة المخاوف الخليجية ولاسيما السعودية منها (بأفعال حقيقية واضحة وجادة  وملموسة ومقنعة)، وذلك من خلال عدم محاولة التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول من خلال مليشيات وأحزاب من هنا أو هناك، ونحن نفهم ما بين السطور.

خاصة بعد الحقائق على أرض الواقع في التدخل الإيراني السافر في حرب اليمن.فالاتفاق الإيراني السعودي هو ليس فقط ضرورياً من أجل أمن المنطقة. بل هو مطلب حيوي، وهو من شأنه أن يخلق موزاين قوى جديدة تؤدي حتماً إلى مزيد من الارتباك في الجانب الإسرائيلي، والذي لم يعتد منذ نشأته على أن يكون مثل هذه الوضعية من الضعف التي وصل إليه اليوم.

 

* كاتب من السعودية

المصدر : جنوبيات