بأقلامهم >بأقلامهم
القطاع التعليمي: تفاقم الهوة يؤسس لثنائية جديدة
جنوبيات
لا مجال للمحاججة إذا ما تعلق الموضوع بتدني المستوى التعليمي المحصل في المراحل الدراسية كافة منذ بداية جائحة كورونا حتى الآن واختلاف التحصيل بين مدرسة رسمية وأخرى خاصة وبين المدارس الخاصة فيما بينها.
هذا التباين وعلى الرغم من التسليم به إلا أنه اقترن في السنوات الأخيرة بتداعيات حراك 17 تشرين الأول على الوضع الاقتصادي، والمفارقة ان المطالبات المحقة بتحسين الرواتب والأجور وبدل النقل وسواها فاقمت المشكلة وعمّقتها.
لطالما ترسّخت فكرة أفضلية التعليم في المدارس الرسمية لدى الأهالي ليس لقلة تكلفتها المادية والدعم المتكرر لها فحسب بل لأنها تخضع لبيروقراطية كانت بنظرهم مثالية وكفيلة للاقتناع بها. فالمقرر التربوي والمنهج المعتمد في التعليم الرسمي كان الأهم رغم الشوائب التي ترافقه سيما تلك التي تم استيرادها من المناهج الغربية وأُسقطت إسقاطا فوريا دون تنقيتها وإخضاعها لعنصر الملاءمة مع المجتمع وحيثياته.
ومع التحفظ على مستوى أداء بعض الأساتذة وطريقتهم في الشرح وإيلاء الإهتمام بمواد معينة على حساب اللغة الأجنبية التي عادة ما يتم تهميشها، مع ما يرافقها من إسقاط عملي لأخلاقهم وأخلاقياتهم على أدائهم الوظيفي... إلا انها ساهمت في دفع قسم من الأهالي للمبادرة إلى "تأسيس" أولادهم في المدارس الخاصة لتثبيت أساسيات اللغة الأجنبية سيما ان جزءا منها هو امتداد للإرساليات ونقلهم فيما بعد أي في المرحلة المتوسطة و/أو الثانوية إلى المدارس الرسمية.
غير أن منافسة قسم من المدارس الخاصة لمستوى التعليم المحصل في المدارس الرسمية وتركيزها على بناء الشخصية للتلميذ غيّر المسلمة المتوارثة، وهذا ما تم لحظه على مرّ السنوات، وحجزت لها مقعدا متقدما مهما فتراجع بالتوازي مع هذا التقدم مستوى المدرسة الرسمية.
وعلى قاعدة العلاقة الطردية بين المطلب الحقوقي والمستوى العلمي، بات بديهيا أن الإنتاج مرتبط بالمكتسبات المادية والمعنوية التي تضمن حياة كريمة واكتفاء تاما من الجهد المبذول في العمل. ورغم اقترانها بالتجارب إلا أن هناك من لم تصله الفكرة، وما مناشدات المعلمين والمعلمات واعتصاماتهم وإضراباتهم إلا بهدف الوصول إلى احتياجاتهم الضرورية.
هدف حقق شوطا مرضيا قبل أن تزعزعه تداعيات الحراك والأزمة الاقتصادية الحادة التي تظهّرت بالكامل بعده. فعادت المطالبات وكثرت الإضرابات وتلقى التلميذ صغعة تلو الأخرى حتى تدنى المستوى التعليمي المحصل الى ادنى حدوده. تدنٍ ملحوظ ارتبط بالفوضى الاكاديمية في التعليم الرسمي -تحديدا لجهة الاضرابات المتكررة- وفي التعليم الخاص أيضا نتيجة التحديات الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد 19 في بداياتها.
وفي مقابل سعي المدارس الخاصة إلى احتواء التغير الطارئ لجهة الأسلوب المعتمد والطرائق التعليمية البديلة، تراجع مستوى التعليم ومستوى التحصيل على حد سواء في المدارس الرسمية أكثر. ما ساهم في حصول نزوح عدد من التلاميذ لا بأس به من المدارس الرسمية الى الخاصة لضمان اكتسابهم ولو جزء قليل من المعلومات أو الكفايات.
وتجلى واضحا أن خسارة المعلم للحوافز المُرضية ليمارس مهنته أثرت شكلا ومضمونا على أداء رسالته السامية، ما انعكس سلبا على نوعية ومضمون الكفايات المفترض تقديمها للتلميذ. خسارة تشارك فيها المعلمين في القطاعين العام والخاص بيد أن معلمي القطاع الخاص لم يتمتعوا بالحظوظ المميزة التي حوّلها معلمو القطاع العام إلى ورقة ضاغطة.
وفي مقابل هذا التحدي حاول الأهالي تقليص المشكلة المستجدة والمتراكمة على مر ثلاث سنوات بتقويتهم في المنزل بجهد شخصي منهم، بالاستعانة بمدرس خصوصي أو باللجوء إلى مراكز الدعم التربوي.
فانتشرت هذه الأخيرة بشكل كبير دون أن تملك جميعها المقومات الأساسية ودون أن تستحصل على ترخيص، وطبعا دون مراقبة من الجهات المعنية لانتشارها المثير للجدل.
لكنها حتما أرست نفسها عنصرا أساسيا في العملية التربوية الراهنة، وبدل أن تكون رديفة يقتصر دورها على تثبيت المعلومات باتت الجوهر. وباتت ركيزة اساسية في العملية التربوية الى جانب المدرسة والمنزل. وتعاظم دورها مرده الى تملص المدارس الرسمية والخاصة على مستوى الإدارات والمعلمين من مسؤولياتهم. ولكن هل كل مراكز الدعم أهل لهذه المهمة؟