لبنانيات >أخبار لبنانية
كيف أثرت سياسات الإقراض على الواقع اللبناني؟
كيف أثرت سياسات الإقراض على الواقع اللبناني؟ ‎الثلاثاء 10 05 2022 22:24
كيف أثرت سياسات الإقراض على الواقع اللبناني؟

د. حسين عبيد

منذ زمن، وربّما لأكثر من 20 عامًا، كنت أسمع وأقرأ عن سياسات الإقراض التي يعتمدها عالم الشمال في تعامله مع دول عالم الجنوب، لا سيما الفقيرة منها، ما يؤدي إلى زيادة إفقار هذه الدول، واعتمادها بشكل متزايد على الدول الدائنة التي لا تتورع عن اعتماد أيّ وسيلة لتحقيق مصالحها، توظف فيه دول الشمال صناديقها من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من أدوات ومؤسسات، وييقى هذا الإقراض مستمرًا، حتى تصل إلى وقت لا قدرة لهذه الدول على الوفاء بديونها، ساعتئذ تُسلم قيادها إلى الدول المُقرِضة لتتحكم بمصائر الشعوب.

ولم يكن لبنان بمنأى عن هذه السياسة، فعقدت لهذه الغاية مؤتمرات الدعم، وأنشئت الصناديق الإقليميّة والدولية، من قبل الدول المدّعاة بحرصها على لبنان، مع كل ما كان يحصل من هدر، وفساد، وسرقة.

ما تقدم، هو الطريق المعتمد من جانب السلطة، في عمليّات الاستدانة والاستقراض، ومن كان متحكمًا بسياساتها، للوصول إلى هذا الواقع المؤلم، عن قصد أو غير قصد، وتبقى المسألة الكامنة في آليات التوظيف، ومن ينفذ، أهداف من أقرض، وبما أننا في نظامٍ المحسوبيّاتُ فيه السائدة والمسيطرة، خاصّة في مفاصل الكيان المهمة، لا بد من الإمساك بهذه المفاصل من قبل شخصيّات تخدم مشروع الخارج، مسكونة بدولة عميقة، من الشركات الاحتكارية في مختلف القطاعات في النفط والدواء والغذاء، وغيرها...

وما زاد من منسوب الفساد، وطائل الهدر والسرقات المقوننة أنّ لكل في السلطة مرجعيته الطائفية أو المذهبية، أو الحمائيّة من هذه القوة الخارجيّة أو تلك، حتى تحسب نفسك أنّك في مزارع، لكل مزرعة إدارتها وزبانيتها، التي تتصارع أحيانًا وتتهادن أحيانًا أخرى، وتتعاقد فيما بينها، لحماية مصالحها، أحيانًا ثالثة...

أمّا الأحزاب والتيارات السياسيّة، ربّما وجد معظمها، فرصة سانحة لاستدرار هذه الأموال، لمنافع حزبيّة وشخصيّة، وفي جزء كبير منها له مصادر تمويله من هذه الدولة أو تلك، تحت عناوين ومسميّات شتى. 

 أما ما يسمى بمنظمات "المجتمع المدني" فغالبيتها تتلقى دعمًا من منظمات حكوميّة وغير حكوميّة، وسفارات، لأهداف وأغراض معينة، وبأساليب شتّى.

إلى هنا الأمور قد تكون عادية، ما الذي عدا ما بدا... لبنان هذا كان له دور ووظيفة، مختلفة عمّا هو مرسوم لها، وتختلف بالكامل عمّا هي عليه الآن. هدفه أن يكون الحلقة الأضعف في المنطقة، لا سيما بعد اغتصاب فلسطين وأجزاء من أراض عربية مجاورة لفلسطين، من قبل الصهاينة، وقد بلغت هذه الموجة ذروتها مع اجتياح الـ 1982، مع احتلال العاصمة بيروت، ولكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، حيث تصاعدت وتيرة العمل المقاوم، وتمكنت المقاومة بمختلف انتماءاتها ومشاربها، وبالعمل الدؤوب والمتواصل، وبالتضحيات الجسام، من إلحاق هزيمة ماحقة بأسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومعه ذاك المشروع الذي يدعمه، ورسمت المقاومة معادلات ردع لم يكن يتوقع فيها ذات يوم أن يكون مغلول اليد، وحبيس الأنفاس، كما عليه هو الحال اليوم.

مع زلزلة المشروع الاستكباري، وتحطيم الحلم بقيام "دولة إسرائيل العظمى"، كان السعي لترويض لبنان  وإرجاعه إلى بيت الطّاعة الأميركيّة - الصهيونيّة، مع أدواتهما في المنطقة، مع ما يعني ذلك نزع مكامن القوّة في هذا البلد، لإحكام السيطرة عليه، ولسرق ثرواته وموارده...

وعليه، ومع تعدد الأدوات والأساليب في الصراعات، كان هذا الحصار، بكل أشكاله وأنواعه، على المستويات  الاقتصاديّة، والماليّة، والصّحيّة، والاجتماعيّة، والأمنيّة... 

على صعيد المعالجات والخطط، من قبل السلطة الحاكمة، والتي في غالبيتها مستفيدة من هذا الواقع، فلن يتوقع منها أن تقوم بمعالجات جذرية لهذا الوضع، وإن حاول البعض القيام بمحاولات ما لإنقاذه، ولكن دون جدوى.

وتبقى الأصوات الأخرى التي تدعو إلى التمرد والانتفاضة والتثوير، ولكن دون أن تقدّم مشاريع واضحة، وإن قدّم بعض الأحزاب والجمعيّات المنتفضة مشاريعها، ولكن في ظل العدد الهائل منها، الذي يقارب عشرة آلاف منظمة، دون أن تتمكن من إنتاج قيادة واضحة بأهداف واضحة، تحت أعذار ومبررات غير مقنعة... وهو ما يضعها في دائرة الشك والشبهة.

ولذلك، نجد أن هناك صعوبة بالغة في إعادة لملمة الوضع اللبناني، والأمل بإنقاذه، إلّا في ظل إطار تسوية خارجيّة، تُفرض على مكوناته، أو على الأقل ترضي مكوناته، وفي كلا الحالين، لبنان الذي ترونه في المستقبل غير ذي لبنان الذي عرفتموه، وأهم من كل ذلك يبقى الإمساك بالمفاصل المهمة في الدولة في المال والقضاء والاقتصاد والأمن ....بعيدًا عن المنتج الداخلي للحلّ، باعتبار أنّ هذا البلد، في أساس قيامه، كان صناعة خارجيّة، فمهما حاول أن يفرض نفسه على ساحة الحلّ، فلن يستطيع أن يُسوّق مُنتجه، باعتبار أنّه سيبقى بحاجة إلى المواد اللّازمة للصناعة من الخارج، ودوره يكون عندها في إعادة تركيبها، إن لم تصله جاهزة للاستخدام.

ويبقى الرهان قائمًا على المخلصين لهذا البلد، ومن لديه حسًّا وطنيًّا، كمرتكز في تعافيه، والتحرر من هيمنة الخارج وسطوته، والذي لن يتحقق إلّا بتكاتف طاقات بنيه، وتضافر جهودهم، وإلّا .... أعاننا الله على القادم من الأيّام، تصبحون فيه على وطن، والانتقال من وضع كان، إلى وضع صار...!!!

المصدر : جنوبيات