عام >عام
راعينا الصالح: أصالة... وانتماء
الجمعة 31 03 2023 16:49خالد الغربي
وماذا نكتب عن النبيل؟ الدكتور نبيل الراعي.
ما أصعب الكلام عنه وفيه!!! وقد سح الدمع في المقلتين.
وما أعجزنا ان نكتب عن الشخص النموذج والغني الفكر والنفس، عن الذي اتخذ من الانسانية والشرف سلاحه.
فعلا، نحار من أين نبدأ بالحديث عنه؟ وماذا نقول فيه؟ برية أحلام وطموحات، كتلة نشاط، طاقة محركة، عرفته ميادين العمل الانساني والاجتماعي والخيري والسياسي والوطني والعروبي والتقدمي، ممارسا نشاطها قناعة وفعل إيمان وانتماء أصيل وليس كترف أو لهثٍ وراء جاه.
الدكتور نبيل الراعي الذي تليق به الحياة، الهادئ رغم ضوضاء وصخب يصاحبه، صاحب قيم، وجه بشوش وروح مرحة وابتسامه دائمة، معطاء، وضمير حي، و "كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين".
سيرته كتاب مفتوح، تزهي مسيرته السياسية والاجتماعية وعطاءاته الإنسانية والخيرية بالأفعال لا الأقوال أو التنظير .
منذ يناعته، حدد إبن البستنجي الذي بنى ذاته بذاته، خياراته بكل الوضوح والثقة، هو مع هموم الناس وقضاياهم المحقة، مع الطبقات الشعبية الكادحة وزعيمها معروف سعد، مع الوطن ضد اعدائه، مع وحدة لبنان وعروبته، مع فلسطين وثورتها ضد عدو الأمة.... الى فكر مارد الأمة جمال عبد الناصر انتمى.
وعندما صار حكيماً بلسم عذابات الناس ومعاناتهم، وقد أمضى سحابة عمره وحتى فاصلة الموت والقبر يعمل للصالح العام ولمصلحة الناس لا سيما المعترين منهم، بقلب واسع ومفتوح، بعيدا عن الفئوية والحسابات الضيقة والرخيصة، فكان بحق منظومة اخلاق وقيم ومثل وافعال ووطنية، سخرها لخدمة مجتمعه ووطنه.
الشارع الشعبي مسقط رأسه ومحبة الناس رصيده المتزايد يوما بعد يوم.
خلال تشييعه ومراسم التعازي، تسمع كلاما عطرا عن سيرة طبيب الفقراء والطبيب السري المداوي لمقاومين ابطال أصيبوا خلال مواجهتهم قوات الغزو في فترة احتلال إسرائيل لمنطقة صيدا. مع سرديات هؤلاء عن الهمشري الحاضر "قرصه بكل عرس" يدرك واحدنا انه غابت عنه أشياء وأشياء عن سمو ونبل الراعي واصالته وشمائله الإنسانية والوطنية... وبمعايير هؤلاء فالدكتور نبيل الراعي هو من بطانة الرجال الكبار في صيدا والجنوب وفيه خصال الزعيم الشعبي، وخسارة هذه القامة بفرادتها وتميزها وعطاءاتها من الصعب تعويضها ...وربما يكون الراعي آخر شخصية صيداوية تجمع هذه الشمائل والخصال ترحل عن عالمنا، آخر عنقود الزمن الجميل الذي كان فيه للقضايا وللنضال معنى وقيمة.
بالتأكيد بطن المدينة ولاد، ومؤكدٌ ان أطباء انخرطوا في الفعل المقاوم وليس النبيل وحده، وحتما هناك رواد في ميادين العمل الشعبي والعطاء الإنساني، لكن في حالة هذا النبيل نكون امام حلقة مكتملة ونصاب مكتمل وعطاءات ومثل وقيم قلما اجتمعت دفعة واحدة وبالجملة في شخص واحد كما هي "ظاهرة" الدكتور نبيل الراعي.
عندما اغتالت اسرائيل وعملاؤها من اللبنانيين عشية اندحارها عن صيدا الرمز الوطني مصطفى سعد بتفجير سيارة ملغمة أمام منزله، حمل الدكتور نبيل الراعي من موقعه كأمين عام مساعد للتنظيم الشعبي الناصري مشعل المسؤولية والتحدي ولعب وإخوانه دورا وطنيا كبيراً ومشرفاً، فبعد ساعة من جريمة الاغتيال، كان الموقف سلاح، وفيه : تحميل اسرائيل مسؤولية الاغتيال والجريمة بهدف اشعال الفتنة، تبني القيادات الصيداوية المجتمعة في مستشفى حمود لموقف الراعي برفض العرض الاسرائيلي القاضي بنقل المناضل مصطفى سعد الى مستشفى داخل الكيان لمعالجته "نفضل ألف مرة ان يموت شهيدا على أرض بلاده على ان تُنقذ حياته على ايدي الغزاة"، توجيه المسيرات المنددة بعمليةالاغتيال وتنقيتها من عملاء اندسوا لحرفها وبدل "شعار مسيحي مابدنا نشوف" هتفت الجماهير الغاضبة "صهيوني خود كلابك وارحل عنا"، وللجماهير المحتشدة دعوة للوحدة و"اياكم والفتنة"، وهذا غيض من فيض المواقف المسؤولة للراعي الذي ادرك ما يخطط للمدينة لمرحلة ما بعد الاحتلال فرفع الصوت عاليا " لا شرعية إلا شرعية المقاومة الوطنية الاسلامية".
هكذا، في المنعطفات المصيرية الحاسمة، يبرز دور القيادات الوطنية، والحق يشهد ان الدكتور نبيل الراعي قد أدار بحنكة وحكمة وصلابة مرحلة (وان كانت وجيزة بالمقياس الزمني) هي من أدق وأخطر المراحل التي شهدتها مدينة صيدا وتنظيمها الشعبي، حين ظن القتلة الصهاينة ان حكاية المدينة قد انتهت...
د. نبيل أنت باقٍ في نفوسنا مابقيت النفوس.
وإلى اللقاء....
افاء الله عليك بفيض رضوانه.