مقالات مختارة >مقالات مختارة
مخاطر تفشّي ظاهرة التسوّل مجدّداً في صيدا.. مُقلِقة وخطيرة
مهنة تدر أموالاً طائلة على «المشغّلين».. وخطر اجتماعي
وسط غياب الحلول الرادعة.. ما هي خطوات المعالجة؟
الثلاثاء 17 01 2017 10:38ثريا حسن زعيتر
عادت ظاهرة التسوّل في مدينة صيدا والجوار في الآونة الأخيرة لتؤرق المسؤولين وأبناء المدينة، حيث باتت مُقلِقة بشكل خطير، إذ تصعب السيطرة عليها أو التخلّص منها، فتحوّلت إلى ما يشبه «المهنة»، بعدما كانت في السنوات الماضية تقتصر فقط على «النَوَر»، أما اليوم فعدد كبير من الأهالي – من خارج صيدا – يبعثون أولادهم للتسوّل، لأنّ ذلك يدر عليهم أموالاً طائلة..
في «عاصمة الجنوب» أنشئت قبل سنوات عدّة، جمعيات من أجل مساعدة المحتاجين والمعوزين، وكان من بين تلك الجمعيات «جمعية جامع البحر الخيرية» التي أخذت على عاتقها مكافحة آفة التسوّل..
تعتبر جمعيات أهلية أنّ تفشّي هذه الظاهرة، يعود هذه الأيام إلى غياب الرقابة لجهة منعها ومعاقبة مَنْ يُقدِم عليها، إذ يقتصر الأمر على طرد هؤلاء المتسوّلين دون المحاسبة، فيعودون بعد دقائق، وكأنّ شيئاً لم يحصل، متسائلة: «أين الدولة؟، وهل هي نائمة؟، وأين القوى الأمنية لتمنع الأطفال من التسوّل؟، وعلى مَنْ تقع المسؤولية لمكافحة هذه الآفة؟
أما في مدينة صيدا، فقد شكّلت ظاهرة التسوّل صورة معاكسة لما تتمتّع به من خصوصية، خاصة من حيث الأخلاقيات، إذ ارتفعت الأصوات أكثر من مرّة مطالبة بوضع حد لهذه الظاهرة، كونها تسيء إلى صورة المدينة، التي تحافظ على نسيجها الاجتماعي، وعلى تعاون جمعياتها الأهلية والخيرية من أجل سد حاجات الفقراء والمعوزين، وبالتالي فهذه الظاهرة بعيدة كلياً عن تربية أبناء صيدا.
لقد تكرّس أنّ التسوّل أصبح تجارة تدر الأرباح، وتديرها عصابات منظّمة تستغل الأطفال والنساء، حتى بات مشهد رؤية المتسوّلين على قارعة الطرقات وبين السيارات مألوفاً في «عاصمة الجنوب».
فعند إشارات السير في المدينة، وتحديداً مستديرتا «إيليا» و«سبينس»، ينتشر هؤلاء المتسوّلين، يحملون عدّتهم المؤلّفة من أكياس محارم أو علب علكة، ومنهم مَنْ يحمل «مساحة» صغيرة، وزجاجة مياه بالصابون حتى يرش على زجاج سيارات المارّة، وينظّفها مقابل المساعدة المالية، وكل واحد له مكانه في العمل، وفقاً لما هو مُحدّد له، فمَنْ يحمل المحارم يتنقّل بين المحلات والطرقات والسيارات، أما مَنْ يحمل العلكة فيقف قرب شبّاك السيارة، ومَنْ معه المسّاحة والمياه يقف بانتظار الإشارة الضوئية حتى تضيء أحمر، فيركض بين السيارات ويبدأ بالرش على السيارات، فمنهم من لا يعترض ويرأف بحال هؤلاء الأطفال ويدفع، ومنهم مَنْ يصرخ ويصدّهم غضباً واحتجاجاً على فعل ذلك، دون الموافقة المسبقة، لا سيما أنّ قناعة كل العابرين باتت بأنّ هؤلاء ليسوا بحاجة، وإنّما يقومون بذلك كمهنة، فيفرضون عليهم ما لا يريدون!
ابتكار واستعطاف
{ اللافت في عمل هؤلاء المتسوّلين، أنّهم باتوا كل يوم يبتكرون أفكاراً وأساليب جديدة لاستعطاف المارّة، فيركض حسن (11 سنة) ويقول: «أنا من حلب، وأُقيم مع عائلتي حالياً في بيروت، ولا نملك مالاً كي ندفع إيجار المنزل، ولا أحد يقدّم لنا المساعدة»، قبل أنْ ينتهي إلى جملة واحدة «أرجوك ساعدني.. كي نعيش في المنزل بدلاً من الشارع، وكي نأكل».
{ أما الطفلة أريج البالغة من العمر (5 سنوات)، فهي تحمل أكياساً من المحارم، وتدخل المحلات، البعض يعطف عليها ويعطيها المال، والبعض الآخر لا يبالي، وتقول: «أنا يتيمة الوالدين، أهلي قُتِلوا في حلب، وأعيش مع جدّتي في وادي الزينة، كل يوم أقوم ببيع أكياس المحارم أنا وأختي إزدهار وعمرها 8 سنوات، كي نعيش، إذا لم نفعل ذلك نموت جوعاً ونُطرد من المنزل».
مشهد وحزن
يترك مشهد هؤلاء المتسوّلين شعوراً قاسياً لدى المارّة، الذين باتوا لا يعرفون مَنْ يستحق ممَّنْ يمتهن ذلك كعمل، علماً بأنّ الدول المانحة تدفع للنازحين السوريين أموالاً طائلة لتساعدهم، كما حال الجمعيات التي تُعنى بهم رغم ضعف الإمكانيات لديها.
{ وتقول المواطنة دلال إدريس، وهي تنظر بحزن إلى هؤلاء: «في السابق كان المتسوّل يطرق الأبواب طالباً الطعام كونه جائعاً، أو ثياباً، أما الآن، فيريدون مالاً، هذه الظاهرة خطيرة جداً، خاصة أنّ الفتيات هن الأكثر في الشارع، ألا يخاف ذووهم عليهم من وحوش البشر أو استغلالهم؟».
وتضيف: «نحن نطالب الدولة بأنْ تضع حدّاً لهذه الظاهرة، فنرى في كثير من الأحيان شباناً في السيارات يتحدّثون مع الفتيات ويغازلونهن، ومع الأيام تجد الفتيات أنفسهن عرضة للانحراف، ولا رادع لديهن، أضف إلى ذلك، نشأتهن في أُسَر مفكّكة، سواء بسبب انحراف الأب أو الأم».
أريج.. تبيع المحارم منذ طفولتها
أريج.. تبيع المحارم منذ طفولتها
تتسوّل على ابنها
إزدهار.. أي مستقبل ينتظرها؟!