بأقلامهم >بأقلامهم
بين السّيّد والشّيخ.. "الحزب" والدّولة!
بين السّيّد والشّيخ.. "الحزب"  والدّولة! ‎الثلاثاء 25 02 2025 08:24 حسن الدر
بين السّيّد والشّيخ.. "الحزب"  والدّولة!

جنوبيات

ثمّة صعوبة بالغة في تحويل دموع الفقراء إلى كلمات، وهتافات الجرحى إلى عبارات، وحشد مئات آلاف النّاس إلى مفردات في نصّ، والأصعب أن تحتوي، في مقالة، رجلاً حوى من علوم البلاغة والفصاحة وفنون الخطابة ما سيّده على قلوب الملايين من العرب والمسلمين قائداً أمميًّا تاريخيًّا واستثنائيًّا.
كان الكلام عن السيد حسن، في حياته، مجازفة والكلام عنه بعد تشييعه مخاطرة، فالذي ملأ حياتنا حبًّا برغم سيول الحقد، ومقاومة برغم موجات الخضوع، وعزّة برغم مشاهد الذّل، وأخلاقا في زمن الانحطاط، والّذي كان في كلّ بيت كأنّه واحد منه سيحكي عنه الفراغ الّذي سيتركه في الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، فضلًا عن لبنان وحزب الله.
ولا شك بأنّ ما بعد السيد حسن ليس كما قبله، ومن الإنصاف له، والإجحاف لنا، أن نقرّ بأنّ حقبة تاريخيّة طويت بمواراة السّيّد الثّرى، والسّؤال الأكثر تداولا في الإعلام وصالونات السياسة والجلسات والسهرات، ماذا بعد السّيّد؟
في الإقليم غاب ضابط إيقاع محور المقاومة وعمود خيمته، غاب سيّد السّاحات الممسك بقرار حربها وسلمها، والمتحكّم بمزاج جمهور ممتدّ من البحر إلى البحر، جمهور كان يحزن لحزنه ويبتسم لابتسامته، ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه، وينتفض لإيماءة من اصبعه، وأدلّ دليل على حجم السّيّد في منطقة الشّرق الأوسط هو الزّهو الّذي يعبّر عنه قاتله «نتنياهو»، والّذي أنصفه إذ وصفه بأنّه «محور المحور، وأنّ قتله كان مدخلاً لتغيير الشّرق الأوسط».

فهل تملأ إيران الفراغ، أم تنكفئ لترتيب بيتها الدّاخليّ تحضيراً لمواجهة عاصفة ترامب المجنونة؟!
في لبنان، وبرغم حملات التّشويه والتّشويش والشّيطنة الّتي تعرّض لها السّيّد منذ عام 2008 فإنّ كارهيه يعلمون بأنّهم خسروا رجلاً وطنياً شريفاً في خصومته حريصاً على الوحدة الداخلية والسلم الأهلي، وخسروا قائداً قادراً على إدارة الصراع الداخلي ضمن حدود التنافس السياسي، ولو فيه ما في أعدائه من تهوّر وحقد وغرور، مع ما يملك من امكانات وقدرات، لما تجرّأوا على النّيل، ولو لفظيًّا، من شخصه وشعبه ومقاومته، لكنّ حلمه وتواضعه ومحبّه جرّأتهم على أخذ البلد وأهله إلى انقسام عمودي حاد نحتاج سنوات لردمه، هذا لو صدقت نوايا التّعايش وشعارات بناء الدّولة.

والشّيعة في لبنان والعالم خسروا وجهه الحسن وخلقه الحسن وخطابه الحسن، وخسر السّنّة في لبنان والعالم داعية وحدة بلسانه ودمه، وهو الّذي تحدّث لمرّة واحدة بلهجة طائفيّة عندما قال: «نحن شيعة علي ابن أبي طالب لن نتخلّى عن فلسطين...»، وبالفعل، لم يتخلّ عن فلسطين في أمضّ أوقات الحاجة إلى دعمها، وعندما تخلّى عنها المزايدون عليه في عروبتهم جاد بنفسه قرباناً على طريق القدس في معركة «طوفان الأقصى»!

فكم وقتاً ستحتاج الأمّة لتأتي بقائد من سنخ السيد حسن، وكم زمناً سيمضي لتعود الأمّة قادرة على بناء معادلات ردع ورعب يعيد إلى الصّراع توازنه المفقود بفقد السيّد؟!

أمّا بعد، فالعين على حزب الله، الحزب الّذي صار إقليميّا بقيادة السيد كيف سيتصرف بغيابه، وهل يستطيع الاحتفاظ بمكانته الاقليميّة، أم سيحوّل كلّ طاقاته نحو الدّاخل ليعيد ترتيب أوراقه وترميم قدراته وبناء هيكليّته؟

هذا وقت صعب على الحزب، والمسؤوليّة الملقاة على عاتق أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ثقيلة وخطيرة، فبين إرث السيد وموازين القوى الجديدة في لبنان والمنطقة تجد قيادة الحزب نفسها أمام أسئلة متعدّدة وقرارات معقّدة تقع كلّها تحت عبء حملة إعلاميّة وسياسيّة شرسة تسعى لتحجيم الحزب ونزع سلاحه، إضافة إلى عبء تضميد جراح مجتمع المقاومة ولا تزال «اسرائيل» تحتل نقاطاً استراتيجية في الجنوب!

السّيّد نصرالله بتاريخه وشخصه وحضوره أخرج الحزب من حدود الدّولة ورفعه معه إلى فضاء الأمّة، رغم التزامه بنهائيّة الكيان اللّبناني وحدوده الجغرافيّة، والشيخ قاسم رسم مساراً وطنيًّا واضحاً في خطاب التّشييع غلبت عليه الموضوعيّة والواقعيّة في زمن المتغيّرات الدّوليّة والإقليميّة، لكنّ يداً واحدة لا تصفّق، فإذا لم يتحلّ خصوم الحزب في الدّاخل بالواقعيّة والموضوعيّة والوطنيّة سندخل في متاهة صراع داخليّ لا تنتهي، وسنكرّر تجربة قاتلة عشناها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي!

المصدر : جريدة اللواء