بأقلامهم >بأقلامهم
"إلياس أبو رزق.. رجل الصّعوبات"!



جنوبيات
في زمنٍ تتقاذفه التّحديات، وتذوب فيه المبادئ على مذابح المصالح، يسطع اسمٌ قلّ نظيره في عالمَي النّقابة والإعلام، هو إلياس أبو رزق، الرّجل الذي خبرَ العناء، وعاندَ العاصفة، ورفض أن يكون مجرّد مشاهد في مسرح الحياة.
بل كتب دوره بعرق الجبين، وصوته الجهوريّ، وعدسته النّاقدة، فصار رمزًا للصمود النّقابي والمهنيّة الإعلاميّة الرّاقية.
إنه النّقابيّ الذي لم يساوم ولم يستسلم.
تسلّم إلياس أبو رزق رئاسة الاتّحاد العمّاليّ العام في لبنان في مرحلة عصيبة، حيث كانت الطّبقة العاملة تقبع تحت رحمة أزمات اقتصاديّة متكرّرة، وانقسامات سياسية خانقة.
لم يكن في موقع الزّعامة الزخرفيّة، بل في قلب المواجهة.
وقف في وجه الخصخصة العشوائيّة.
دافع عن حقوق العمال وكرامتهم بلا تردّد، ورفض أن يُستخدم الاتّحاد كمنبر سياسيّ أو أداة في يد السّلطة.
رفع الصّوت في وجه الفساد، لا لمزايدة، بل لإيمانٍ راسخ بأن العمل حقّ، والكرامة خطّ أحمر.
كانت كلماته تحاكي النّاس لا النّخب، فتراه يخطب في ساحة، كما يدافع على طاولة حوار، لا يلين ولا يهادن.
هو المخرج الذي يفهم النبض، "فكان إبراهيم افندي، وبو بليق..والدّنيا هيك، ويسعد مساكم، والكثير من الأعمال الخالدة..
وبعيدًا عن المايكروفون النّقابيّ، تلمع عدسة إلياس أبو رزق خلف الكاميرا، حيث صنع لنفسه اسمًا مرموقًا كمخرج تلفزيونيّ.
لم يكن يلهث خلف الشّهرة، بل خلف الصّدق الفنّي، والرّسالة الإعلاميّة الواعية.
أخرج برامجًا ذات بُعد إنسانيّ واجتماعيّ، تلامس هموم المواطن وتُضيء على وجعه.
آمن بأن الإعلام مسؤوليّة، وأن الكادر الجيّد لا يكتمل إلا بعمق الرؤية وصدق الرّسالة.
جمع بين الفنّ والنّضال، فكان مخرجًا لا يزيّن الواقع بل يعرّيه بحرفيّة وإحساس.
إنه رجل الصّعوبات الذي لا يُهزم ولا يستكين.
وُلد إلياس أبو رزق من رحم المعاناة، لكنه لم يرضَ يوماً أن يكون ابنًا للضّعف.
كل منعطف صعب كان له اختبارًا جديدًا، وكل هزّة فرصة للثّبات.
وحين حاولت قوى السّلطة تحجيم دوره النّقابيّ، واجهها بالحجّة والجرأة.
وعندما تقاطعت السّياسة مع الإعلام، لم يساوم على أخلاقيّات المهنة.
لم يكن "مرضيًا عنه" دائمًا في بلاطات القرار، لكنه كان "مرضيًا عنه" في قلوب البسطاء الذين رأوا فيه صوتهم حين خفتت الأصوات.
هو إرثٌ لا يُنسى، وسيبقى كنزا حقيقيًّا زاخرًا بالعطاء.
اليوم، وفي زمن الفوضى وتراجع القيم، يعود اسم إلياس أبو رزق ليذكّرنا بأن المواقف لا تُشترى، وأن الإنسان الحرّ يبقى حرًا حتى في أقسى الظّروف. بَصْمَته واضحة، سواء في قاعات الاتحاد، أو في أروقة المحطّات التّلفزيونيّة، أو في ذاكرة من عايشوه عن قرب.
وباختصار مسك الكلام، هو ببساطة رجل الصّعوبات، الذي حوّل المحن إلى محطّات قوة، والعدسة إلى مرآة حقّ، والنّقابة إلى ساحة كرامة.